إن معرفتنا بالموسيقى اليونانية التي كانت توجد فعلا في أيام أفلاطون وأرسطو وأرسطوكسينوس هي معرفة شحيحة مبنية على التخمين. وكثير من الكشوف الأثرية الموسيقية التي كان يظن أولا أنها يونانية، تبين فيما بعد أن لها أصلا متأخرا. ومعظم الألحان الأصلية التي نعرفها لا توجد منها إلا أجزاء فحسب. وأهم هذه الألحان هي «أنشودتان دلفيتان لأبولو
Hymns to “Two Delphic Apollo” ، وهما لحنان كشفا في ألواح مرمرية في خرائط دار الخزانة الأثينية في دلفي. وأولاهما ترجع إلى حوالي عام 138ق.م. وتعد ممثلة حقيقة للموسيقى اليونانية. ولدينا أيضا فقرة من رواية «أورست
Orestes » لأوريبيدس، يعتقد أنها أقدم قطعة موسيقية يونانية نعرفها. غير أن مراجعنا الأصلية للمعلومات التاريخية والنظرية هي كتابات الفلاسفة والمؤلفين النظريين اليونانيين؛ فمن هذه الكتابات جاءتنا أفكار عن موسيقى هذه الفترة تزيد على ما جاءنا من النماذج الباقية من هذه الموسيقى، وهي نماذج قليلة ناقصة على أحسن الفروض. وأغلب الظن أن جزءا كبيرا من هذه الموسيقى لم يسجل، على الرغم من أن اليونانيين الأولين كان لديهم نظام للتدوين الموسيقي، ونظرا إلى أن جزءا كبيرا من هذه الموسيقى كان يتداول شفويا، وكذلك لأن القصائد والأغاني كانت تؤلف أحيانا لمناسبة خاصة، ثم تطرح جانبا، فلنا أن نستدل من ذلك على أن الجزء الأكبر من الموسيقى اليونانية قد ضاع بتدهور الحضارة اليونانية.
القسم الخامس: العصر اليوناني الروماني
كان أبيقور (342-270ق.م.) المعاصر لأرسطوكسينوس، يدعو إلى أسلوب في الحياة مبني على الاعتدال والاتزان؛ فأرفع الفلسفات تلك التي توجه الإنسان إلى موقف عملي من الحياة وفهم لها من شأنهما أن يجعلا حياة الإنسان أهدأ وأسلم. وقد وافق أبيقور على التفسير المادي للطبيعة، كما ظهر في الأصل لدى ديمقريطس، كذلك كان يرى أن الآلهة في مقارها البعيدة لا تتأثر ببؤس البشر ولا يمكنها حتى لو شاءت أن تؤثر على أي نحو في حياة الإنسان. والنفس البشرية مادية، وهي تشارك الجسم مصيره. ولكن من الغريب أن أبيقور تابع أرسطوكسينوس في اعتقاده الفيثاغوري بأن النفس «انسجام» للجسم. أما «لوكريتيوس
Lucretius » (95-52ق.م.) وهو أفضل دعاة الأبيقورية، فقد سخر بعد قرنين من الزمان من فكرة تطبيق مصطلحات موسيقية كالانسجام على تركيب الجسم الإنساني ووظائفه، فكتب يقول: «لما كانت طبيعة الذهن وطبيعة النفس قد ثبت أنها جزء من الإنسان، بمعنى ما، فلتطرحوا اسم الانسجام جانبا، سواء أكان قد هبط للموسيقيين من قمم الهليكون
51
أم كانوا هم أنفسهم قد استمدوه من مجال آخر، ونقلوه إلى ذلك المجال الذي عندئذ في حاجة إلى اسم مميز. وأيا ما كان الأمر، فليحتفظ به الموسيقيون لأنفسهم.»
52
أما فيلوديموس
نامعلوم صفحہ