والدياتوني
diatonic . أما من الجهة الجمالية، فكان يرى أن «الخصائص العقلية للعدد والتوافق رائعة في ذاتها بما فيه الكفاية»، ومن هذا انتهى - على خلاف الرأي الشائع في أيامه - إلى أن من الواجب في التعليم إخضاع الأدب للموسيقى.
9
فإذا انتقلنا إلى بركليس، مؤسس الإمبراطورية الأثينية، لوجدنا أنه جمع حوله أبرز شخصيات عصره في ميادين الفلسفة والأدب والفن؛ إذ كان فيدياس
phidias
المثال، وهيرودوت وثوكوديدس المؤرخان، وسوفوكليس وأوريبيدس المؤلفان المسرحيان، اللذان دافعا عن قضية الموسيقى المجددين، كان هؤلاء جميعا يزينون حياة أثينا بشخصياتهم الرفيعة. وفي هذا الجو أبدى الفيلسوف «أنكساجوراس» احتقارا عميقا للديانة الرسمية، أعرب عنه تحت رعاية صديقه وحاميه المستنير بركليس. وكان من الشخصيات الأخرى في الحياة الثقافية وفي مجالس بركليس، دامون
Damon ، الذي أشار إليه أفلاطون في محاورة «الجمهورية» على أنه حجة في الموسيقى وفنان يمارسها بالفعل. ولما كان دامون معلما لبركليس وصديقا حميما له، فقد أتاحت له صفته هذه أن يجعل للموسيقى مكانة هامة في تربية الشخصية وتكوين المواطن الصالح. وكان دامون يعتقد أن التأثير العميق للموسيقى «لا يؤدي فقط إلى إثارة الانفعالات المختلفة وتهدئتها، بل يؤدي أيضا إلى بث جميع الفضائل، كالشجاعة وضبط النفس، والعدالة ذاتها.» والواقع أن نوع المصنف الموسيقي يطبع النفس بطابعه الخاص، سواء أكان ذلك الطابع خيرا أم شرا، وذلك بالنسبة إلى القائم بأداء الموسيقى وإلى سامعها معا؛ فمن الممكن باستخدام التوافقات المناسبة خلق صفات جديدة أو إبراز صفات كامنة، لا في الصغار فقط، بل في الكبار أيضا.
10
وكان دامون يرى أن الموسيقى ضرورية لا للتعليم الثقافي فحسب، بل من أجل تكوين دولة قوية سليمة، ولكن الغريب أنه خالف الروح الديمقراطية السائدة في عصر بركليس، وذهب إلى أن التجديد في الأساليب والإيقاعات الموسيقية يعد نذيرا بتغير اجتماعي أو حتى بثورة. وكان يرى أنه لو غير الشاعر المنشد اليوناني أو نوع الأساليب الفنية أو الألوان الموسيقية، بحيث يغير أو ينوع الأنماط التقليدية للتعبير الموسيقى، فإن التأثير الانفعالي لهذه التجديدات يؤدي بدوره إلى تغير حضاري واجتماعي. وهكذا انتهى دامون، متفقا في ذلك مع الفيثاغوريين، إلى أن الموسيقى قيمة أخلاقية ينبغي استغلالها من أجل بلوغ هدف الروح الأخلاقية السليمة.
أما ديمقريطس (المولود حوالي عام 460ق.م.) فكان يرى أن الشاعر الموسيقار يحمل قبسا من الروح الإلهية. وقد امتدح هوميروس فوصفه بأنه شاعر ملهم من الآلهة، تعبر أعماله عن جمال منبعث من روح نشوانة، وقد وصف ديمقريطس الموسيقى بأنها أحدث الفنون عهدا، وبأنها لم تنشأ عن «الضرورة وإنما عن الفيض والوفرة». وكان يرى في الموسيقى، كما رأى فيها السياسي «سولون
نامعلوم صفحہ