dissonance
فإن الموسيقيين الأصالى، مثل مونتيفردي، ظلوا يثرون الموسيقى الغربية بتجمعات نغمية جديدة. ولم يكن النظام الهارموني، كما عرفناه فيما بعد، قد تطور بعد، وإنما كان عليه أن ينتظر ظهور باخ ورامو
Rameau . وقد انتظمت المقامات الغامضة التي كانت معروفة في الموسيقى الأقدم عهدا، في تآلفات متتابعة أضفت على الموسيقى اتصالا هارمونيا، وأتاحت ظهور قوالب موسيقية أطول مدى. وعلى حين أن جماعة الكاميراتا كانت قد رفضت فن البوليفونية على أساس أنه مضاد للتعاليم الأفلاطونية، فإن هذا الفن أصبح في مؤلفات يوهان سباستيان باخ هو الدعامة الأساسية لموسيقى ذات تركيب هارموني محكم، وجمال لحني رائع.
الفصل السادس
المذهب العقلي، والتنوير، والعصر الكلاسيكي في الموسيقى
القسم الأول: من ديكارت إلى كانت
لا تعكس الفلسفة والموسيقى روح العصر في كل الأحوال؛ فالتجديدات الموسيقية التي تهاجم بشدة في عصرها تصبح في كثير من الأحيان الأساليب والنماذج المقبولة في عصور تالية. كذلك فإن فلسفة الأمس قد أصبحت علم اليوم، وقد يصبح الكثير من تأملاتنا الفلسفية الحالية علما في الغد. والواقع أن الفلاسفة والفنانين هم أقدر الناس على التطلع إلى المستقبل. غير أن الفيلسوف والفنان نادرا ما يشتركان في طريقة تعبيرهما عن روح العصر، وكثيرا ما يتشكك أحدهما في آراء الآخر.
فقد كان أفلاطون أشهر فيلسوف انتقد الفنانين نقدا لا يعرف هوادة، ومع ذلك فإن التفكير الجمالي للحضارة الغربية في الموسيقى، إنما ترجع جذوره إلى كتابات أفلاطون. ولقد كان تقديره للموسيقى، الذي أعرب عنه في محاورتي «الجمهورية» و«القوانين» أساسا، تقديرا أخلاقيا قبل كل شيء. وقد تابع المدرسيون أفلاطون في معظم نظرياته الموسيقية، وطبقوها تطبيقا عمليا دقيقا على طريقة الحياة والعبادة المسيحية. وحذا قادة عصر الإصلاح الديني حذو أسلافهم في العصور الوسطى؛ إذ أبدوا نفس القدر من التزمت، بل زادوا عليه في كثير من الأحيان، وذلك باستخدامهم الصفات الانفعالية للموسيقى من أجل دعم المذهب البروتستانتي. وطوال هذه القرون كان للموسيقى دور متفاوت الأهمية في مذاهب الفلاسفة الغربيين الذين كانوا يفتقرون - باستثناء عدد قليل جدا منهم - إلى الخبرة الفنية أو المعرفة النظرية التي تتيح لهم تقدير قيمة الموسيقى بوصفها وسيلة للتعبير الجمالي. وترتب على ذلك أنهم جعلوا لها مركزا متواضعا بين الفنون الأخرى، حتى نهاية القرن الثامن عشر، وحتى في ذلك العهد المتأخر، كان الفلاسفة ينظرون إلى الموسيقى باستخفاف، ويقدرونها على طريقة القدماء؛ أي من خلال الاعتبارات الميتافيزيقية أو الرياضية أو الأخلاقية، لا بوصفها فنا مستقلا يبرر وجوده بذاته.
وحتى بعد بداية عصر الكشوف العلمية في أوروبا في القرن السابع عشر ظل عالم مثل يوهان كبلر
Kepler (1571-1630م) يربط بين الأنغام والمسافات الموسيقية وبين حركات الكواكب بطريقة مشابهة للطريقة التي استخدمها أفلاطون في وصف نظرية انسجام الأفلاك الفيثاغورية، كما احتفظ رينيه ديكارت
نامعلوم صفحہ