فيلسوف العرب والمعلم الثاني
فيلسوف العرب والمعلم الثاني
اصناف
ولعل ما نسميه اليوم «الموسوعة» أو «دائرة المعارف» أو «المعلمة» لا يخرج في الجملة عن أن يكون من هذا الباب، فليس مجانبا للحق قول من يرى أن الفارابي هو أول من وضع دائرة معارف، ولسنا نعرف من قبل الفارابي من قصد إلى تدوين جملة المعارف الإنسانية في زمنه موطأة مجملة يسهل تناولها على المتأدبين. •••
على أننا نلاحظ أن الفارابي في كتاب «إحصاء العلوم» لم يعمد إلى تعديد العلوم الجزئية على غير نسق؛ بل هو قد صنف العلوم أصنافا، فجمع أفرادا من العلوم في علم اللسان مثلا، وفي علم التعاليم، وفي العلم المدني. وإذا لم يكن نبه في بعض الأقسام على اشتماله على عدة علوم كما في علم الفقه وعلم الكلام، فليس ذلك بمانع من تضمن هذه الأقسام لعلوم متفرعة في عهد الفارابي، وبذلك يتبين أن الفارابي إنما قصد إلى إحصاء العلوم بمعنى الإحاطة بأصنافها صنفا صنفا. ففي كتابه تقسيم للعلوم. وللفارابي في هذا التقسيم أو التصنيف للعلوم مذهب لا نعرف أنه سبق إليه بملاحظة ما فيه من الشمول، وهو قد قسم العلوم ثمانية أقسام: (1) علم اللسان (2) علم المنطق (3) علم التعاليم (4) العلم الطبيعي (5) العلم الإلهي (6) العلم المدني (7) علم الفقه (8) علم الكلام.
أما جعله كتابه خمسة فصول فالظاهر أنه لم يلاحظ فيه إلا تقسيم مؤلفه إلى أجزاء متقاربة المقدار، وبين أنه بنى تصنيفه للعلوم على اختلاف الموضوعات التي تتناولها بالبحث اختلافا بالذات أو بالحيثية، فما يبحث عن الألفاظ الدالة عند أمة، منطوقة كانت هذه الألفاظ أو مكتوبة، هو علم اللسان. وما يبحث عن المعقولات هو المنطق، وهكذا. وذلك جلي لكل ناظر في الكتاب.
صنف الفارابي العلوم أصنافا ثمانية، ثم راعى في سرد هذه الأصناف ترتيبا معينا لم يعرض في كتاب «إحصاء العلوم» لتفسيره، ولكن وجهة نظره في هذا الترتيب تتبين لنا من كتب له أخر، مثل كتاب «التنبيه على سبيل السعادة» وكتاب «تحصيل السعادة» وكتاب «السياسات المدنية» وكتاب «آراء أهل المدينة الفاضلة».
4
وخلاصة القول في ذلك أن السعادة هي غاية يتشوقها كل إنسان، وأن كل من ينحو بسعيه نحوها فإنما ينحو نحوها على أنها كمال، وكل غاية يتشوقها الإنسان، فإنما يتشوقها على أنها خير.
ولما كانت السعادة إذا حصلت للإنسان لم يحتج بعدها أن يسعى لغاية أخرى غيرها، تبين من ذلك أن السعادة هي آثر الخيرات وأعظمها وأكملها، وهي أحرى الأشياء بأن تكون مكتفية بنفسها.
والسعادة ليس ينالها الإنسان بأحواله التي لا يلحقها حمد ولا ذم؛ ولكن بجملة أحواله التي يلحقه بها حمد أو ذم.
وهي ثلاثية؛ أحدها: الأفعال التي يحتاج فيها إلى استعمال أعضاء بدنه الآلية، مثل القيام والقعود والنظر والسماع.
والثاني: عوارض النفس، مثل الشهوة واللذة والفرح والغضب والشوق والرحمة.
نامعلوم صفحہ