وموسى الذي رباه جبريل كافر
وموسى الذي رباه فرعون مرسل
والأرض يمطرها السحاب، فمنها جنان ناضرة، ومنها صحراء مجدبة قاحلة، والنار تضيء للساري فيهتدي وللفراش فيحترق.
لقد أثبت العلم الإشعاع اللاسلكي، وأصبحنا نسمع الآن من الراديو أصوات الموسيقى في أوربا، وسنسمعها من أمريكا، وسنسمعها من أنحاء العالم؛ ومعنى هذا أن في جو مصر تموجات من أوربا وأمريكا وأنحاء العالم؛ وإذا كان هذا في المادة فإشعاع النفوس أبعد مدى، وأنفذ شعاعا، وأسرع سيرا؛ وإذا كان في حجرتي أمواج هوائية من مناحي العالم يظهرها الراديو، فإن في حجرتي ملايين وأكثر من الملايين من إشعاعات نفسية تشع من السماء ومن الأرض ومن النفوس البشرية، ومما لا يعلمه إلا الله. وما الفكرة تصدر عني، ولا الإلهام ألهم به فلست أعرف له مصدرا وليس يخضع لقوانين المنطق، ولا نظريات الاستنتاج، ولا الظواهر النفسية تتعاقب علي فلا أعرف تعليلها من انقباض وانبساط، وسمو وانحطاط، وكدورة وصفاء، وظلمة وضياء، إلا أثر من هذا الإشعاع.
إن وراء هذا العالم المادي عالما روحانيا نفسيا أسنى وأبهى؛ وإذا كان للأجسام والحواس جو يحيط بها قد امتلأ أشعة من نجوم وكواكب وشموع ومصابيح، فللنفس جو يحيط بها اشتبكت فيه أشعة نفسية لا عداد لها؛ وإذا كان للعين أفق يختلف باختلاف النظر قصرا وطولا، فللنفوس أفق يختلف كذلك؛ فبعضها ينفذ إلى ما وراء الحجب، ويستمد منه ما يستخرج العجب، وبعضها قصير المدى قريب المتناول؛ ولئن كانت قوانين الإشعاع الحسي لما يستكشف منها إلا قليل، فقوانين الإشعاع النفسي أشد تعقدا وأكثر التواء وغموضا، والعاكفون على دراستها، والموفقون لاستكشاف بعضها أقل وأندر. خضع كل الناس للإشعاع المادي، وخضع كل الناس للإشعاع النفسي، ولكن آمن بالأول كل الناس، وما آمن بالثاني إلا قليل.
هل تنبعث من عالم النفس شرارة قوية تضيء جوانب النفوس؟ وهل يبعث العالم النفسي موجة قوية تعم العالم وتهزه هزة عنيفة فتنبهه من سباته، ويهب علماؤه لتنظيم الحياة الروحية كما نظموا الحياة المادية، ويتخصص علماء النفس لاستكشاف قوانين الإشعاع النفسي كما استكشف الماديون قوانين الإشعاع الحسي، ثم ينتفعون وينفعون الناس، كما انتفعوا بقوانين الضوء وما إليه، وإذ ذاك يكون الناس أسعد حالا وأهدأ بالا وأكثر اطمئنانا؟ من يدري؟!!
حلقة مفقودة
في مصر حلقة مفقودة لا نكاد نشعر بوجودها في البيئات العلمية، مع أنها ركن من أقوى الأركان التي نبني عليها نهضتنا، وفقدانها سبب من أسباب فقرنا في الإنتاج القيم والغذاء الصالح.
تلك الحلقة هي طائفة من العلماء جمعوا بين الثقافة العربية الإسلامية العميقة، والثقافة الأوربية العلمية الدقيقة؛ وهؤلاء يعوزنا الكثير منهم، ولا يتسنى لنا أن ننهض إلا بهم، ولا نسلك الطريق إلا على ضوئهم.
إن أكثر من عندنا قوم تثقفوا ثقافة عربية إسلامية بحتة، وهم جاهلون كل الجهل بما يجري في العصر الحديث من آراء ونظريات في العلم والأدب والفلسفة؛ لا يسمعون بكانت، وبرجسون، ولا بأدباء أوربا وشعرائها، ولا بعلمائها وأبحاثهم، إلا أسماء تذكر في المجلات والجرائد والكتب الخفيفة، لا تغني فتيلا ولا تستوجب علما. وطائفة أخرى تثقفت ثقافة أجنبية بحتة، يعرفون آخر ما وصلت إليه نظرات العلم في الطبيعة والكيمياء والرياضة، ويتبعون تطورات الأدب الأوربي الحديث، وما أنتج من كتب وروايات وأشعار، ويعلمون نشوء الآراء الفلسفية وارتقاءها إلى عصرنا؛ ولكنهم يجهلون الثقافة العربية الإسلامية كل الجهل؛ فإن حدثتهم عن جرير والفرزدق والأخطل، أشاحوا بوجوههم وأعرضوا عنك، كأنك تتكلم في عالم غير عالمنا، وإن ذكرت الكندي والفارابي وابن سينا، قالوا: إن هي إلا أسماء سميتموها ما لنا بها من علم، وماذا نحصل من هؤلاء إلا على جمل غامضة ومعان مبهمة، لا تفيد علما ولا تبعث حياة؟ وبالأمس كنت أتحدث مع طائفة من المتعلمين عن «البيروني» العالم الإسلامي الرياضي، المتوفى سنة 440ه، وما كشف من نظريات رياضية وفلكية، وأن المستشرق الألماني «سخاو» يقرر أنه أكبر عقلية عرفها التاريخ في كل عصوره، وأنه يدعو إلى تأليف جمعية لتمجيده وإحياء ذكره تسمى جمعية «البيروني»، فحدثني أكثرهم أنه لم يسمع بهذا الاسم، ولم يصادفه في جميع قراآته، وهو يعرف عن ديكارت وبيكون وهيوم وجون ستوارت مل كثيرا، ولكنه لا يعرف شيئا عن فلاسفة الإسلام. ومثل ذلك قل في الأدب العربي والأوربي، والعلم العربي والأوربي؛ كل ثقافته العربية تنحصر في كتاب القواعد وأدب اللغة للمدارس الثانوية، إن كان قد بقي منها شيء في ذاكرته.
نامعلوم صفحہ