ولست أعني بالضعف أو القوة ضعف الأدب أو قوته من الناحية الفنية، وإنما أعني ضعفه وقوته من الناحية الخلقية والاجتماعية، فقد يكون هذا النوع الذي أسميه ضعيفا أو مائعا في منتهى الرقي من الناحية الفنية، كما قد يكون الأدب القوي ليس قويا بالمقياس الفني.
وهذه القصة تمثل لنا أيضا أن الأدب المائع والقوي أثر من آثار الحوادث والظروف، فقد فشل آل الزبير سياسيا ولم تتحقق مطامعهم. فاستولى عليهم اليأس وانصرفوا إلى اللهو وأنسوا بالسماع وما إليه، واحتقروا الخلافة حتى ليهمون أن يبايعوا جارية مغنية؛ ويحدث عبد الله بن مصعب هذا عن نفسه فيقول:
إذا غنتنى هذه الجارية:
حسيت أني مالك جالس
حفت به الأملاك والموكب
فلا أبالي وإله الورى
أشرق العالم أم غربوا
أما المنصور فنجح وأسس ملكا ضخما، ووصل إلى هذا النجاح بقوته وحزمه، فكان أحب شعر إليه شعر القوة والعظمة والحمية. •••
يخيل إلي أنا إذا ألقينا نظرة عامة على الأدب العربي من هذه الناحية رأينا الأدب الجاهلي قويا - كجلمود صخر حطه السيل من عل - حماسة قوية، وفخر قوي، بل وغزل قوي؛ والأدب الإسلامي إلى آخر العهد الأموي، أدب قوي فيه عزة الفاتح، وإعجاب الظافر، ونشوة المنتصر؛ وإن كان فيه نغمات ضعف فنغمات الحزب الذي غلب على أمره، أو المحب الذي يئس في حبه؛ أما ما عدا هذا ففخر وإعجاب، وهجاء في أعلى درجات القوة.
فإذا نحن انتقلنا إلى العصر العباسي رأينا العزة العربية تأخذ في الضعف، ورأينا الانهماك في اللهو يبعث أدبا جميلا في فنه، ضعيفا في روحه، فيقول رئيس المجددين في عصره بشار بن برد:
نامعلوم صفحہ