133

فیض خاطر

فيض الخاطر (الجزء الأول)

اصناف

ثم شأنك في البحر عجب أي عجب! تضربينه بشعاعك، وتلفحينه بنارك، فيتحول ماؤه بخارا، يصعد إليك ليستجير منك، ويمثل بين يديك لتمنحيه عفوك، وتنيليه عطفك، حتى إذا شعر برضاك، وأمن من غضبك، دمع دمعة السرور، ففارقته ملوحته، وعاد إليه صفاؤه وعذوبته، واكتسب منك الحياة فكان ماء جاريا، بعد أن كان ماء راكدا، فجرى جداول وأنهارا، فأرسلته إلى خدمك في الأرض من أزهار وأشجار يحيي ذابلها، ويستخرج دفينها، وينضج ثمارها. •••

ثم تحركت فملأت الحياة حولك حركة؛ فكم من نجوم لا يعلمها إلا الله تسير حولك وتحذو حذوك؛ ثم تلعبين بالهواء من سخونة وبرودة، فيتحرك ويتعلم منك اللعب فيلعب بالبحار والأنهار والأشجار، وبكل شيء يمر به، فإذا الدنيا كلها لعبة في يده.

ثم أنت أنت حرقت الأشجار والنبات، وطمرتها تحت صفحة الأرض آلافا من السنين بعد آلاف، حتى إذا تنبه الناس آخر الزمان فطنوا إلى أنه مستودع من مستودعاتك، فاستغلوه في كل ما نرى الآن من حركة، فهو سر حركة المصانع والبواخر، وسر حركة القطارات والآلات، فلو قلنا: إن كل حركة في الأرض أنت مصدرها لم نبعد. •••

تلعبين بالناس فتنيمينهم وتوقظينهم، ترسلين أشعتك الجميلة على العالم فينتبه، وتغيبين عنه فينام؛ ثم تتداولين العالم فتنبهين قوما وتنيمين قوما، ويراك قوم شروقا وقوم غروبا، وقوم ليلا وقوم نهارا، وقوم صيفا وقوم شتاء.

وأنت أنت في عليائك، لا تملين الحركة، ولا تشعرين بنوم أو يقظة، ولا بليل أو نهار. •••

بل بك يجري الدم في عروقنا، فدمنا من غذائنا، وغذاؤنا من حرارتك، تسلطينها على الأرض فتخرجين منها

حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وأبا ؛ بل ما أفكارنا إلا منك، أليست أفكارنا من دمائنا، أوليست دماؤنا منك؟

بل لقد كنت حينا من الأحيان إله الناس ومعبودهم، فكنت مصدر وحيهم، ومصدر إلهامهم، ووجهة عبادتهم، رأوك مصدر الحياة فعبدوك، ورأوك مصدر النعم فمجدوك، ورأوك يحيط بك كثير من الغموض على جلائك ووضوحك فألهوك، ورأوك أكبر النجوم فرببوك.

ثم أتى الأنبياء، فرأوك تأفلين فسلبوك ألوهيتك، ورأوك تتغيرين فحولوا عبادتهم عنك.

ولكن إن سلبوك ألوهيتك فلم يسلبوك عظمتك وجمالك وجلالك، وكفاك ذلك فخرا. •••

نامعلوم صفحہ