(27) رأيهم إن شاء الله تعالى وأجيب من قبلهم أن الخصوصيات التى كانت في أول الزمان معتبرة في محل الحسن والقبح فالفعل كان في الزمان الأول معه خصوصيات معها كان حسنا واجبا ومع خصوصيات الزمان الثاني يكون قبيحا وحراما فيصح النسخ ولا يخفى أنه حينئذ يكون قليل الجدوى أو آئلا إلى قول الجبائية (ثم من الحنفية من قال أن العقل قد يستقل في إدراك بعض أحكامه تعالى فأوجب) هذا البعض (الإيمان وحرم الكفر وكل ما لا يليق بجنابه تعالى) على كل أحد بلغه دعوة رسول أم لا (حتى على الصبى العاقل) هذا قول معظم الحنفية كالشيخ الإمام علم الهدى أبى منصور الماتريدى والإمام فخر الإسلام وصاحب الميزان واختاره صدر الشريعة وغيره (وروى عن) الإمام الهمام (أبى حنيفة لا عذر لأحد في الجهل بخالقه لما يرى من الدلائل) على ثبوت الوجدانية بحيث لا مجال للعاقل أن يرتاب فيه ومن ارتاب معها فلسوء فهمه وعدم تدبرها لا لريب فيه وهذه الرواية هى مستند ذلك البعض (أقول) في كشف معنى هذه الرواية (لعل المراد) لا عذر (بعد مضى مدة التأمل فإنه) أى التأمل (بمنزلة دعوة الرسول في تنبيه القلب وتلك المدة مختلفة) لا يمكن تحديدها (لأن العقول متفاوتة) في الفهم فلا تنضبط في حد اعلم أن هذا التوجيه أشار إليه فخر الإسلام حيث قال ومعنى قولنا أنه لا يكلف بالعقل يريد به أنه إذا أعانه الله تعالى بالتجربة وأمهله لدرك العواقب لم يكن معذورا وإن لم تبلغه الدعوة على نحو ما قال أبو حنيفة في السفيه إذا بلغ خمسا وعشرين سنة لا يمنع منه ماله لأنه قد استوفى مدة التجربة فلابد أن يزداد رشدا وليس على الحد في هذا الباب دليل قاطع وفي شرح أصوله لأن إدراك مدة التأمل في حق تنبيه القلب بمنزلة الدعوة وفيه أيضا لا عذر له بعد الأمهال لا في ابتداء العقل وفرع فخر الإسلام على هذا التوجيه أن من لم تبلغه الدعوة لو لم يعتقد شيئا من الكفر والإيمان في ابتداء العقل كان معذورا لأنه لم تمض عليه مدة التأمل ولو اعتقد كفرا لم يكن معذورا لأن اعتقاد جانب يدل دلالة واضحة على أنه ترك الإيمان مع القدرة على تحصيله بالتأمل وأنه تأمل فاختار الكفر ثم أعلم أنه لا فرق بين قول هؤلاء الكرام وقول المعتزلة فإنهم كانوا قائلين أن حسن بعض الأشياء مما يدرك بالعقل ولا يتوقف على البعثة
(28)
صفحہ 39