(25) قتلهم الله تعالى (فإنه) أى كلا من الحسن والقبح (عندهم يوجب الحكم) من الله تعالى فهو الحاكم لا غير (فلولا الشرع) بما هو شرع بأن فرض عدم إرسال الرسل (وكانت الأفعال) بإيجاد الله تعالى (لوجبت الأحكام) على حسب ما فصل الآن في الشريعة الحقة واعلم أن المراد بالحكم في هذا النزاع اشتغال ذمة العبد بالفعل وهو اعتبار الشارع أن في ذمته الفعل أو الكف جبرا وهذا لا يستدعى خطابا ولا كلاما ولا يوجب الحسن والقبح هذا الاعتبار من الشارع لأن الحسن والقبح ليسا إلا الصلوح والاستعداد بوصول القواب والعقاب وأما أنه تعلق بحسب هذا الصلوح والاستعداد اعتبار الشارع باشتغال الذمة بالفعل أو الكف فلا فإذن يصلح هذا المعنى للنزاع بعد الاتفاق على الحسن والقبح العقليين وبما قررنا يندفع أن هذا النزاع بيننا وبين المعتزلة غير صحيح فإنه أن أريد بالحكم خطاب الله تعالى فلا خطاب قبل ورود الشرع فكيف يتأتى قول المعتزلة وأن أريد كون الفعل مناطا للثواب والعقاب فبعد تسليم حسن الفعل وقبحه لا يتأتى انكاره فحينئذ لا نزاع إلا في اللفظ فمن قال بتعلق الحكم قبل الشرع أراد الثاني ومن نفاه نفاه بمعنى الخطاب فتفكر وأنصف وكل الأمور إلى علام السرائر ثم أراد أن يفصل قول المعتزلة فقال (قالوا منه) أى من كل من حسن الفعل وقبحه (ما هو ضرورى) لا يحتاج إلى النظر (كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار قيل) في حواشى مرزاجان لا يدرك هذا الحسن والقبح إلا بعد درك الآخرة و(أمر الآخرة سمعى لا يستقل العقل بإدراكه فكيف يحكم بالثواب آجلا) المتوقف على ما لا يدرك بالعقل فلا يدرك الحسن والقبح عقلا أصلا فضلا عن كونه ضروريا (أقول) في الجواب (العدل واجب عقلا عندهم فتجب المجازاة) فلابد من دار الجزاء سوى هذه الدار الدنيا (وذلك) أى ثبوت دار الجزاء مطلقا كاف لحكم العقل بالثواب والعقاب فيها (وأن كان خصوص المعاد الجسمانى سمعيا) فإن أريد بأمر الآخرة مطلق دار الجزاء سوى الدنيا فكونه سمعيا ممنوع كما ظهر ولذا قالت الفلاسفة به أيضا مع انكارهم الحشر على ما هو المشهور وأن أريد خصوص المعاد الجسمانى فمسلم أنه سمعى لكن لا يضر لكفاية مطلق دار الجزاء (على أنه بمعنى لو تحقق) أمر الآخرة (لتحقق) الثواب والعقاب
(26)
صفحہ 36