فتأمل ما ذكره الخطابي تجده صريحًا في ردّ قولكم. وتأمل قوله: "فإن عمر لو سمع ذلك لما خالف ولما كان احتج بالحديث فإن هذه الزيادة حجة عليه" وبالجملة فحديث أبي هريرة حجة عليكم لا لكم. ولو لم يكن فيه إلاّ قوله: "بحقها" لكان كافيًا في بطلان شبهتكم، فإن الصلاة والزكاة من أعظم حقوق لا إله إلاّ الله بل هم أعظمها على الإطلاق.
ومما يد على بطلان قولكم وفساد فهمكم في معنى الحديث أعني حديث أبي هريرة- "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله" أن جميع الشراح والمحشين لم يتأولوه على هذا التأويل الذي ذهبتم إليه. فإنه حديث صحيح مخرج في الصحاح، هؤلاء شراح البخاري ومحشيه نحوًا (^١) من أربعين كما نبه عليه القسطلاّني في خطبة شرح البخاري وكذا شراح مسلم هل أحد منهم استدل به على ترك قتال (^٢) من ترك الفرائض بل الذي ذكروه خلاف ما ذهبتم إليه ولو لم يكن إلاّ احتجاج عمر به على أبي بكر ثم موافقته لأبي بكر على قتال مانعي الزكاة لكان كافيًا.
ونحن نذكر لكم كلام الشراح عذرًا ونذرًا. قال النووي -رحمه الله تعالى-: قوله ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فمن قال: لا إله إلًا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله ﷿". قال الخطابي: معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون لا إله إلاّ الله ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف. قال ومعنى "حسابه على الله" أي
_________
(^١) في "أ" و"ب" "نحو" وما أثبته من طبعة المنار.
(^٢) في "ب" "قتل".
1 / 72