رسول الله تتضمن تصديقه في جميع ما أخبر به، وطاعته واتباعه في كل ما أمر به، فما أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه … وقد روى البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلاّ من أبى" قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟، قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" (^١).
إذا تمهد (^٢) هذا فنقول: الذي نعتقده وندين الله به، أن من دعا نبيًا، أو وليًا، أو غيرهما وسأل منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، أن هذا من أعظم الشرك الذي كفر الله به المشركين، حيث اتخذوا أولياء، وشفعاء يستجلبون بهم المنافع، ويستدفعون بهم المضار بزعمهم. قال الله تعالى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ- إلى قوله- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس- ١٨].
فمن جعل الأنبياء، أو غيرهم، كابن عباس، أو المحجوب، أو أبي طالب (^٣)، وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب
_________
(^١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده "٢/ ٣٦١"، والبخاري في صحيحه -كتاب الاعتصام- "١٣ - ٢٤٩" كلاهما من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ .. فذكره.
(^٢) في "ب" "إذا عرف".
(^٣) كذا في جميع النسخ. وليس ببعيد على القبوريين أن يدعوا أبا طالب من دون الله مع أنه مات على الشرك إتفاقًا لفساد فطرهم، وكدر أفهامهم، ومحقِ عقولهم وظلمة قلوبهم. وقد قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: إعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:
أحدهما: أن الأولين لا يشركون لا يدعون الملائكة، والأولياء، والأوثان مع الله إلاّ في الرخاء، وأما في الشدّة فيخلصون لله بعكس أهل زماننا.
الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسًا مقربين عند الله، إما أنبياء، وإما أولياء، وإما ملائكة، أو يدعون أحجارًا أو أشجارًا مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا =
1 / 41