عَنْهُم والمحامي عَنْهُم والناصر لَهُم وَالْكَفِيل بمصالحهم والمنجي لَهُم من كل كرب والموفي لَهُم بوعده وَأَنه وليّهم الَّذِي لَا ولي لَهُم سواهُ فَهُوَ مَوْلَاهُم الْحق ونصيرهم على عدوهم فَنعم الْمولى وَنعم النصير فَإِذا شهِدت الْقُلُوب من الْقُرْآن ملكا عَظِيما رحِيما جوادا جميلا هَذَا شَأْنه فَكيف لَا تحبّه وتنافس فِي الْقرب مِنْهُ وتنفق أنفاسها فِي التودد إِلَيْهِ وَيكون أحب إِلَيْهَا من كل مَا سواهُ وَرضَاهُ آثر عِنْدهَا من رضَا كل مَا سواهُ وَكَيف لَا تلهج بِذكرِهِ وَيصير حبه والشوق إِلَيْهِ والأنس بِهِ هُوَ غذائها وقوتها ودواؤها بِحَيْثُ إِن فقدت ذَلِك فَسدتْ وَهَلَكت وَلم تَنْفَع بحياتها
فَائِدَة قبُول الْمحل لما يوضع فِيهِ مَشْرُوط بتفريغه من ضدّه وَهَذَا كَمَا أَنه
فِي الذوات والأعيان فَكَذَلِك هُوَ فِي الاعتقادات والإرادات فَإِذا كَانَ الْقلب ممتلئا بِالْبَاطِلِ اعتقادا ومحبّة لم يبْق فِيهِ لاعتقاد الْحق ومحبّته مَوضِع كَمَا أَن اللِّسَان إِذا اشْتغل بالتكلم بِمَا لَا ينفع لم يتَمَكَّن صَاحبه من النُّطْق بِمَا يَنْفَعهُ إِلَّا إِذا فزع لِسَانه من النُّطْق بِالْبَاطِلِ وَكَذَلِكَ الْجَوَارِح إِذا اشتغلت بِغَيْر الطَّاعَة لم يُمكن شغلها بِالطَّاعَةِ إِلَّا إِذا فرغها من ضدها فَكَذَلِك الْقلب المشغول بمحبّة غير الله وإرادته والشوق إِلَيْهِ والأنس بِهِ إِلَّا يُمكن شغله بمحبة الله واردته وحبه والشوق إِلَى لِقَائِه لَا بتفريغه من تعلّقه بِغَيْرِهِ وَلَا حَرَكَة اللِّسَان بِذكرِهِ والجوارح بخدمته إِلَّا إِذا فرغها من ذكر غَيره وخدمته فَإِذا امْتَلَأَ الْقلب بِالشغلِ بالمخلوق والعلوم الَّتِي لَا تَنْفَع لم يبْقى فِيهَا مَوضِع للشغل بِاللَّه وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته وَأَحْكَامه وسر ذَلِك أَن إصغاء الْقلب كإصغاء الْأذن فَإِذا صغى إِلَى غير حَدِيث الله لم يبْق فِيهِ إصغاء وَلَا فهم لحديثه كَمَا إِذا مَال إِلَى غير محبّة الله لم يبْق فِيهِ ميل إِلَى محبّته فَإِذا نطق الْقلب بِغَيْر ذكره لم يبْق فِيهِ مَحل للنطق بِذكرِهِ كاللسان وَلِهَذَا فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي أَنه قَالَ لِأَن يمتلىء جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يَرِيَهُ خير لَهُ من أَن يمتلىء
1 / 29