﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ (١)، فبيّن الرّسول ﷺ أكمل، وأتمّ بيان ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (٢)، ففسّر القرآن بأقواله، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، وأبان عن مشكل آياته، وما يفصّل مجمله، ويخصّص عامّه، ويقيّد مُطلقِه.
ومن رحمة الله سبحانه، وتعالى بأمّة خاتم رسله ﷺ أَنْ تكفّل لها بحفظ كتابها، وسنّة رسولها ﷺ فَقَالَ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾ (٣)، فدلالتها على حفظ السّنّة إما اقتضاء؛ لأنّ لفظة الذّكر عنى بها الوحي، وإما لزومًا؛ لأنّ السّنّة هي المبيِّنة للكتاب الشّارحة له، فلا يتمّ حفظ المبيَّن المفسَّر إلاّ بحفظ المبيِّن المفسِّر، ومن فضله أنْ أقام لهذه السّنّة علماء جهابذة نُقّادا، صانوها وحفظوها، ورحلوا في طلبها وكتبوها، فدوّنوها أكمل تدوين، وذادوا عنها بألسنتهم وأقلامهم في كلّ زمان ومكان ونفوا عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وبذلوا وسعهم في روايتها، وضبطها، وبيان كَتَبَتِها ورواتها، وأسانيدها ومتونها، وعللها، وتحمّلوا في ذلك مشقّة الدّأب والكَلاَل، وصعوبة الانتقال والتَّرْحَال، وبذل النّفوس والأموال ...
يقول ابن حبّان ﵀ (ت: ٣٥٤هـ) في مدحه لأهل الحديث، ووصفه لهم: ".. ثمّ اختار الله طائفة لصفوته، وهداهم لزوم
_________
(١) سورة النّحل، الآية: (٤٤) .
(٢) سورة النّجم، الآية: (٣، ٤) .
(٣) سورة الحجر، الآية: (٩) .
1 / 9