فَوَاتُ الْأَعْمَالِ أَشَدُّ عَلَى الصَّالِحِينَ
٢٤ - حَدَّثَنِي الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْبَقَّالُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى صَدَاقَةٌ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، فَقَالَ لَهَ الْبَقَّالُ: قَصَدْتُهُ يَوْمًا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ: مَا قَالَهُ؟ قَالَتْ: لَا أَدْرِي، إِلَّا أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى بَيْتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، وَهُوَ يَبْكِي بُكَاءً مُتَّصِلًا، دَائِمًا، فَتَحَوَّلَتْ بِقَوْلِهَا، وَقُلْتُ لَهَا: ارْجِعِي فَاسْتَأْذِنِي لِي عَلَيْهِ، وَقُولِي لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَقَّالُ، فَدَخَلْتُ، فَرَأَيْتُهُ يَبْكِي بُكَاءً قَوِيًّا، مَا يَكَادُ أَنْ يَتَمَالَكَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي مَا حَالُكَ؟ فَأَرَادَ أَنْ يُلْهِيَنِي، فَلَمْ أَتْرُكْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: إِنَّهُ فَاتَنِي الْبَارِحَةَ وِرْدِي، وَلَا أَحْسَبُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَمْرٍ أَحْدَثْتُهُ، فَعُوقِبْتُ بِمَنْعِ وِرْدِي "، وَأَخَذَ يَبْكِي، فَأَشْفَقْتُ عَلَيْهِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أُسَهِّلَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَعْجَبَ أَمْرِي، وَأَمْرَكَ، قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ فِي يَدِي مِنْكَ شَيْءٌ قَالَ لِي: «وَبِمَ ذَاكَ؟» قُلْتُ لَهُ: لَمْ تَرْضَ عَنِ اللَّهِ فِي نَوْمَةِ نَوَّمَكَ إِيَّاهَا، حَتَّى قَعَدْتَ تَبْكِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: «دَعْ دَاعِيكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، وَمَا أَحْسَبُ ذَاكَ إِلَّا لِأَمْرٍ أَحْدَثْتُهُ»، وَعَادَ عَلَيْهِ الْبُكَاءُ وَرَأَيْتُهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَاكَ انْصَرَفْتُ وَتَرَكْتُهُ يَبْكِي قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَهَذِهِ سِيرَةُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلُوَ بِنَفْسِهِ، وَأَرَادَ اللَّهَ ﷿ بِصَالِحٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَشْكُوَ بِالتَّعْرِيَةِ عَنْ حَالٍ، عَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْهَا خَيْرًا، وَلَا يَرْضَى بِنَفَاذِهَا، فَإِنْ فَقَدَ مِنْهَا شَيْئًا، رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، لَائِمًا، عَاذِلًا، وَلَمْ يَطْلُبِ الْمَقَادِيرَ الَّتِي تَسْلُبُهُ
٢٤ - حَدَّثَنِي الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْبَقَّالُ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى صَدَاقَةٌ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ، فَقَالَ لَهَ الْبَقَّالُ: قَصَدْتُهُ يَوْمًا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ: مَا قَالَهُ؟ قَالَتْ: لَا أَدْرِي، إِلَّا أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى بَيْتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَأَغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، وَهُوَ يَبْكِي بُكَاءً مُتَّصِلًا، دَائِمًا، فَتَحَوَّلَتْ بِقَوْلِهَا، وَقُلْتُ لَهَا: ارْجِعِي فَاسْتَأْذِنِي لِي عَلَيْهِ، وَقُولِي لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَقَّالُ، فَدَخَلْتُ، فَرَأَيْتُهُ يَبْكِي بُكَاءً قَوِيًّا، مَا يَكَادُ أَنْ يَتَمَالَكَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي مَا حَالُكَ؟ فَأَرَادَ أَنْ يُلْهِيَنِي، فَلَمْ أَتْرُكْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: إِنَّهُ فَاتَنِي الْبَارِحَةَ وِرْدِي، وَلَا أَحْسَبُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَمْرٍ أَحْدَثْتُهُ، فَعُوقِبْتُ بِمَنْعِ وِرْدِي "، وَأَخَذَ يَبْكِي، فَأَشْفَقْتُ عَلَيْهِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أُسَهِّلَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَعْجَبَ أَمْرِي، وَأَمْرَكَ، قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ فِي يَدِي مِنْكَ شَيْءٌ قَالَ لِي: «وَبِمَ ذَاكَ؟» قُلْتُ لَهُ: لَمْ تَرْضَ عَنِ اللَّهِ فِي نَوْمَةِ نَوَّمَكَ إِيَّاهَا، حَتَّى قَعَدْتَ تَبْكِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: «دَعْ دَاعِيكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، وَمَا أَحْسَبُ ذَاكَ إِلَّا لِأَمْرٍ أَحْدَثْتُهُ»، وَعَادَ عَلَيْهِ الْبُكَاءُ وَرَأَيْتُهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَاكَ انْصَرَفْتُ وَتَرَكْتُهُ يَبْكِي قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: وَهَذِهِ سِيرَةُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلُوَ بِنَفْسِهِ، وَأَرَادَ اللَّهَ ﷿ بِصَالِحٍ، فَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَشْكُوَ بِالتَّعْرِيَةِ عَنْ حَالٍ، عَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْهَا خَيْرًا، وَلَا يَرْضَى بِنَفَاذِهَا، فَإِنْ فَقَدَ مِنْهَا شَيْئًا، رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، لَائِمًا، عَاذِلًا، وَلَمْ يَطْلُبِ الْمَقَادِيرَ الَّتِي تَسْلُبُهُ
1 / 33