Fatwas of Sheikh Muhammad Al-Amin Al-Shanqiti
من فتاوى العلامة محمد الأمين الشنقيطي
اصناف
عربي معروف؛ لأن من أساليب اللغة العربية إطلاق المحل وإرادة الحال فيه كعكسه (^١)، والقائلون بالمجاز (^٢) يسمون ذلك الأسلوب العربي مجازًا مرسلًا، ومن علاقات المجاز المرسل عندهم المحلية والحالية (^٣) كإطلاق القلب وإرادة العقل؛ لأن القلب محل العقل، وكإطلاق النهر الذي هو الشَّق في الأرض على الماء الجاري فيه، كما هو معلوم في محله.
و(هذا) (^٤) بعض نصوص الوحيين:
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ...﴾ الآية [الأعراف، الآية (١٧٩)]، فعابهم اللهُ بأنهم لا يفقهون بقلوبهم، والفقه الذي هو الفهم لا يكون إلا بالعقل، فدلَّ ذلك على أن القلب محل العقل، ولو كان الأمر كما زعم الفلاسفة لقال: لهم أدمغة لا يفقهون بها.
وقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج، الآية (٤٦)]، ولم يقل: فتكون لهم أدمغة يعقلون بها، ولم يقل: ولكن تعمى الأدمغة التي في الرؤوس كما ترى.
فقد صرح في آية الحج هذه بأن القلوب هي التي يُعْقَل بها، وما ذلك إلا لأنها محل العقل كما ترى، ثم أكَّد ذلك تأكيدًا لا يترك شبهة ولا لبسًا، فقال تعالى: ﴿وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج، الآية (٤٦)]، فتأمل قوله: التي في الصدور، تفهم ما فيه من التأكيد والإيضاح.
ومعناه أن القلوب التي في الصدور هي التي تعمى إذا سَلَبَ الله منها نور العقل، فلا تميز بعد عماها بين الحق والباطل، ولا بين الحسن والقبيح، ولا بين النافع والضار، وهو صريح (في أن) (^٥) الذي يميز به كل ذلك هو العقل، ومحله القلب.
وقال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء، الآية (٨٨، ٨٩)]، ولم يقل بدماغ سليم.
وقال تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ...﴾ الآية [البقرة، الآية (٧)]، ولم يقل: على أدمغتهم.
وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ...﴾ الآية [الكهف، الآية (٥٧)]، (ومفهوم) (^٦) مخالفة الآية أنه لو لم يجعل الأكنة على قلوبهم لفقهوه بقلوبهم، وذلك لأن محل العقلِ القلبُ كما ترى، ولم يقل: إنا جعلنا على أدمغتهم أكنة أن يفقهوه.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ...﴾ الآية [ق، الآية (٣٧)]، ولم يقل: لمن كان له دماغ.
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ...﴾ الآية [البقرة، الآية (٧٤)]، ولم يقل: ثم قست أدمغتكم، وكون القلب إذا قسا لم يُطِعْ صاحِبُه الله، وإذا لانَ أطاع الله، دليل على أن المميز الذي تراد به الطاعة والمعصية محله القلب كما ترى، وهو العقل.
وقال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ...﴾ الآية [الزمر، الآية (٢٢)]، وقال تعالى: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ...﴾ الآية [الحديد، الآية (١٦)]، ولم يقل: للقاسية أدمغتهم، ولم يقل: فطال عليهم الأمد فقست أدمغتهم.
وقال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ...﴾ الآية [الجاثية، الآية (٢٣)]، ولم يقل: وختم على سمعه ودماغه.
_________
(^١) ذكر القاضي أبي يعلى في العدة (١/ ٨٩) أنه يطلق القلب ويراد العقل للمجاورة بينهما؛ لأن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان مجاورًا له أو كان بسبب منه، وقال تلميذه أبو الخطاب في التمهيد (١/ ٤٩) مؤكدًا لكلام شيخه: "والدليل عليه أنا نسمي النَّجْو غائطًا، وإن كان هذا اسم لمحل الغائط، وهي الأرض المنخفضة، وإنما لأجل المجاورة سمي به، وكذلك تسمى المزادة راوية، وإن كان هذا اسم الجمل، وإنما لأجل المجاورة".
وقال-﵀ في شرحه على منظومته في المنطق (٥ ل) ﴿مخطوط﴾: " ... لأن المعاني إنما تدرك بالقلوب، والمراد بها العقول من تسمية الشيء باسم محله".
(^٢) والشيخ -طيب الله ثراه- ممن يقولون بعدم جواز المجاز في القرآن، وله رسالة في هذا الموضوع بعنوان "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز".
(^٣) المجاز المرسل: هو ما كانت العَلاقَةُ بَيْنَ ما اسْتُعْمِل فيه وما وُضِعَ له مُلابَسَة غيرِ التشبيه، وعلاقة المحلية: تسمية الحال باسم محله، والحالية عكس ذلك، راجع المجاز المرسل وعلاقاته في المفتاح للسكاكي (ص ٣٦٥)، تلخيص المفتاح للخطيب القزويني مع البغية للصعيدي (ص ٧٩، ٨٧).
(^٤) في (أ): (هذه).
(^٥) في (أ): (بأن).
(^٦) في (أ): (ومفهومه).
1 / 2