فاتنة الإمبراطور
فاتنة الإمبراطور: فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا السابق وعشيقته كاترين شراط
اصناف
فتناول الرجل صورة من جيبه وأراها لجوزف قائلا: أليست هذه صورتك؟ إن أنكرتها فهي تثبت عليك ولا تقدر أن تنكر أن بيت الشعر هذا مكتوب تحتها بخط يدك. - الله! كيف اتصلت إليك؟ - أعطيتها علامة لتثق بي.
فهمس جوزف قائلا: هل أرسلتك البارونة؟ - والإمبراطورة أيضا، فأين العلبة؟ - رحماك، سرقت بحيلة شيطانية . - ويحك! - سرقتها امرأة داهية وأنا أبحث عنها كالمجنون. - يا للدهاء! أين هي؟ - لا أدري، إني واثق أنها لم تخرج من هذه المحطة؛ لأني راقبت جميع الخارجين منها فلم تكن بينهم، فلم تزل في القطار إلا إذا كانت قد تجنحت وطارت منه قبل أن يقف. - وهل تختفي في القطار؟ - لا أدري بحثت في كل غرفة فيه قبل أن يقف، فلم أجدها. - هل تعرفها؟ - عرفتها مرة في فينا، ولكني إلى الآن لم أعرف اسمها الحقيقي؛ لأنها توارت وراء اسم جوليا هارتمان. - يا لله! أين هي؟ هل فتشت في غرف مراحيض القطار؟ - لا، لم يخطر لي ذلك. - ولا في القاطرة، لعلها متواطئة مع من فيها وهي مخبوءة هناك. - لم أبحث هناك. - إذن عد إلى القطار وابق فيه وابحث في المراحيض، وأنا أذهب إلى القاطرة. راقب رحبة المحطة قبل أن يسير القطار.
فدخل جوزف إلى القطار ووقف في الشباك يراقب الرحبة، وذلك الرجل أسرع إلى القاطرة وصعد إليها، وعند ذلك قرع الجرس ونفخ بوق القطار، وما كاد القطار يجلو من المحطة حتى رأى جوزف المرأة في صحن المحطة وقد وقع نظرها على نظره، فرفعت يدها وألاحت منديلها كأنها تودعه مسافرا وهي تبتسم، فأسرع إلى باب القطار وفتحه يريد الوثوب، فرأى الرجل الذي كان يخاطبه أمامه وقد نزل من القاطرة على إثر تحرك القطار، فانتهره هذا لئلا يعطب إذا وثب؛ فامتنع جوزف عن الوثوب وصاح له: ويحك! تلك هي في صحن المحطة، أسرع إليها قبل أن تفلت، إن العلبة في يدها.
وكان القطار قد ابتعد والرجل أسرع إلى صحن المحطة وقد لمح المرأة تخرج، ولكنه لما خرج من المحطة لم ير للمرأة أثرا فضلا عن عين.
الفصل الثامن والثلاثون
صيد العصفور
لقد صدق ظن ذلك الرجل، فإن تلك المرأة الداهية كانت مختبئة في غرفة مرحاض من مراحيض القطار، ولما وقف القطار برزت من الغرفة وتلصصت على جوزف، فإذا هو في رحبة المحطة وعيناه شائحتان، فعادت إلى مخبئها، ولما تحرك القطار خرجت ونزلت منه. حتى متى زايل الرصيف وهي تنظر إلى شبابيكه لمحت جوزف وحيته باسمه كأنها تسخر به، ثم لمحت الرجل الآخر يكلم جوزف، فأدركت أن هذا الرجل حليفه ولا بد أن يطاردها، ولا سيما إذ رأته مسرعا نحوها، فأسرعت واختبأت في غرفة مرحاض المحطة إلى أن شعرت أن الرجل خرج. وبعد برهة نوت أن تخرج فسمعت لغطا، فأدركت أن الرجل يسأل من في المحطة عنها، فكمنت إلى أن لم تعد تسمع صوتا وهي حائرة ماذا تفعل، إلى أن مضت عدة دقائق فسمعت دوي قطار، فبرزت فإذا قطار من القطارات التي تقف في كل محطة قد وصل وهو يتبع الجهة التي برح فيها القطار السابق، فأسرعت إليه واختبأت فيه، ولم يكن من ينتبه إليها إلا رقيب القطار وناظر المحطة؛ لأن الذين في المحطة قليلون، وما هي إلا دقائق معدودة حتى تحرك هذا القطار فتنهدت الصعداء.
بقيت صاحبتنا جوليا هرتمن - أو البارونة ليوتي، أو نينا فرست، أو الكونتس ألما فورتن كما عرفها القارئ بهذه الأسماء - بقيت في القطار موجسة أن يداهمها أحد، ولكن وقف القطار في بضع محطات صغيرة من غير أن يتعرض لها أحد، فاطمأنت وهي تقول في نفسها: لقد نجوت وظفرت.
ثم وقف القطار في محطة أودنبرج، فأطلت من شباك القطار عسى أن ترى أحدا من حلفائها المنتظرين، وجعلت تنظر هنا وهناك على غير هدى، فما شعرت إلا بيد تقبض على ذراعها، فالتفتت فإذا شرطي في ثوب كبتن وراءها يقول لها: هلمي يا سيدتي معي.
فجزعت وقالت: لماذا؟ - باسم جلالة الإمبراطور آمرك أن تتبعيني. - إني عبدة جلالته وخادمته، فأود أن أعلم لماذا؟ وإلى أين؟ - عليك أن تتبعيني بلا اعتراض يا مدام، وعلي أن أقودك عنفا إذا عارضت، ومتى بلغت بك إلى حيث أنت مطلوبة تعترضين وتستفهمين ما تشائين. - لعلك يا سيدي تطلب غيري وعثرت علي خطأ. - لا لا، وهبي الأمر كما تقولين فلا ضرر عليك إذ يطلق سراحك في الحال إذا لم تكوني المرأة المقصودة.
نامعلوم صفحہ