فاطمة الزهراء والفاطميون
فاطمة الزهراء والفاطميون
اصناف
وبعد كمال التعليم لا يضر موت المعلم كما لا تضر غيبته. يبقى قولهم: كيف يحكمون فيما لم يسمعوه؟ أفبالنص ولم يسمعوه، أم بالاجتهاد بالرأي وهو مظنة الخلاف؟ فنقول: نفعل ما فعله معاذ - رضي الله عنه - لما بعثه رسول الله
صلى الله عليه وسلم
إلى اليمن؛ إذ كان يحكم بالنص عند وجوده وبالاجتهاد عند عدمه، بل كما يفعله دعاتهم إذا بعدوا عن الإمام إلى أقاصي الشرق؛ إذ لا يمكنهم أن يحكموا بالنص فإن النصوص المتناهية لا تستوعب الوقائع غير المتناهية، ولا يمكنهم الرجوع في كل واقعة إلى بلدة الإمام، وإلى أن يقطع المسافات ويرجع يكون المستفتي قد مات أو فات الانتفاع بالرجوع، فمن أشكلت عليه القبلة ليس له طريق إلا أن يصلي باجتهاده؛ إذ لو سافر إلى بلدة الإمام ليعرفه القبلة لفات وقت الصلاة. فإذا أجيزت الصلاة على غير القبلة بناء على الظن - ويقال: إن المخطئ في الاجتهاد له أجر واحد وللمصيب أجران - فكذلك في جميع المجتهدات.»
ومهما يكن من قول في تفصيلات الشعائر أو الفرائض فما كان منه أقرب إلى تعليم الإمام المعصوم فهو قول الشيعة وما عداه فهو قول السنيين، وجميع المقربين للإمامة على مذهبهم كالزيديين. وهذا هو الذي يؤيد أن مرجع السرية كله هو الرأي في الإمامة لا عقائد مستورة أو خلائق مخالفة لأدب الدين أو العرف بين المسلمين وغير المسلمين. •••
خذ لذلك مثلا إعلان بدء الصيام، فإن رؤية الهلال فيه كافية على مذهب السنيين، ولكن هذا الرأي يغني عن إعلان الإمام للصيام فلا يأخذ به الإماميون، بل يقولون: إن المسلمين كانوا في حياة النبي - عليه السلام - يصومون حين يصوم، فلما أزمع السفر سألوه عن موعد الصيام فقال لهم: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته»، ولم يكلهم إلى الرؤية قبل ذلك وهو مقيم معهم يصوم فيصومون.
ووجود علم مستور يتعلمه الناس من الإمام دون غيره هو العقيدة التي لا محيد عنها لمن يقولون بالإمامية، وإنما يختلف العلم المستور باختلاف الأئمة والأوقات والسائلين، فقد يكون العلم المستور هو تأويل القرآن، وإجابة كل سائل عنه بما يقدر عليه، وقد يكون العلم المستور سياسة محكمة لا تكشف لكل طالب ولا يجوز التردد في طاعتها توقفا على فهمها، فإنها لو كشفت في بعض الأزمنة لحاق الضرر بمن تشملهم تلك السياسة أجمعين.
وقد فسر ابن الصباح اسم قلعته بمعنى النسر المعلم، فهي مرجع المؤمنين من أتباعه لا يستغنون بالابتعاد عنها، وقد ترخص بعض الإماميين في أمر العصمة الواجبة للإمام، فأباح بعضهم نقد الإمام كما فعل حسن بن الصباح في نقد الخليفة المستنصر، بل كما فعل داعي دعاة الخليفة نفسه هبة الله الشيرازي الذي سبقت الإشارة إليه، ولكنهم يقولون: إن الإمام يصيب وهو مختار، ويجري مع الخطأ وهو مكره، ولا سيما في اختياره لولي عهده وصاحب الإمامة من بعده، فإن من اختاره طائعا فهو الصواب المطاع. •••
لقد صحبنا منشئ «الإسماعيلية الجديدة» من عهد بروزه في ميدان الدعوة الفاطمية، ولم نبدأ بسيرته من نشأته الأولى؛ لأن حياته العامة لا تتوقف على أخباره في أوائل نشأته. فما مر خبر منها متفق عليه حتى اسمه وموطنه ونحلته، فهو ينتسب إلى اليمن، ويذكر من نسبته أنه الحسن بن علي بن محمد بن جعفر بن حسن بن محمد الصباح الحميري، ومنكرو دعواه يقولون: إنه قروي من خراسان، ومنهم من يقول: إن أباه كان يعمل في الصياغة، صناعة الصابئة على شواطئ بحر العجم. •••
والثابت أنه مات ولم يظهر له في حياته ولا بعد مماته أحد من ذوي قرابته، وأن دعوته لم تفلح في بلاد اليمن، بل أفلحت فيها دعوة الطيب ابن الآمر التي كانت تناقض الدعوة إلى نزار أمام الحسن المختار، وقد أوصى الحسن بعده لرجل فارسي غريب عنه لا تربطه به نسبة، ولعله من أقربائه المستورين إن صح أنه من الفرس وليس من أهل اليمن.
ورويت عن صباه تلك القصة التي جمعت بينه وبين الخيام ونظام الملك بمدرسة نيسابور، ولكنها قصة يرتاب فيها طائفة من ثقات المؤرخين؛ لأن نظام الملك ولد سنة (408 للهجرة)، فإذا كان ابن الصباح والخيام من لداته فقد بلغا إذن أكثر من مائة سنة، ولو قدرنا أنهما أصغر من نظام الملك ببضع سنوات، وفي ذلك موضع للشك غير ضعيف.
نامعلوم صفحہ