فاطمة الزهراء والفاطميون
فاطمة الزهراء والفاطميون
اصناف
الخمر حتى أفرغوها في أجوافهم وانطلقوا يقصفون
5
ويهزجون، فانقضت عليهم حامية القلعة وأمعنت فيهم قتلا ونهبا وتشريدا من دون أن تصاب الحامية بخسارة ذات بال.
وأعاد ملكشاه الكرة وقد أصاخ إلى نصيحة وزيره في هذه المرة، فضيق المحاصرون مسالك القلعة وساكنيها وبطلت الحيلة فاعتمد الرجل على الغيلة، وأرسل إلى الوزير فتى من فتيانه الفدائيين فقتله، فعاد الجيش الذي سيره الوزير إلى حيث استدعاه ملكشاه، لحاجته إليه في اتقاء الفتنة واتقاء الغارة من المغول.
وتساعد الرجل مصادفات الحوادث. فيموت ملكشاه ويزعم الأتباع والأشياع أنها كرامة المهدي تنجيه من أعدائه واحدا بعد واحد، ويتنبه الرجل إلى مواقع الفرص فلا تفوته منها فائتة. فلما نشبت الفتنة بين ولدي ملكشاه جعل همه أن ينصر أحدهما على الآخر حتى يوشك أن يظفر بأخيه، فيسلط على الجيش المنتصر سلاح الغيلة أو سلاح الفتنة الدخيلة. ومن أساليبه في هذه الفتنة أن يترك المحاربين في شك ممن هو معهم ومن هو عليهم، وقد يشيع عن أحد أعدائه في دولة الأمير أنه من الإسماعيليين «الصباحيين» المستترين، وقد يوهم الأمير غير ذلك فيقرب إليه ويظهر العداء لابن الصباح ومتبعيه.
فلما آل العرش إلى السلطان سنجر بن ملكشاه، وكان من أقوى الملوك وأغناهم في عصره، لم يجد بدا من مصالحة ابن الصباح. وقيل في أسباب المصالحة: إنه كان من أهمها شك السلطان في حاشيته وقواده وأجناده، وتخوفه من أن تكون الدعوة السرية قد قلبت عليه أقرب الناس إليه وهو لا يعلم، فتعاقد مع ابن الصباح على المسألة وترك له جباية الضرائب والإتاوات
6
في إقليمه. ويروى أنه وجد في طريقه إلى حصار «آلموت» خنجرا مغروسا في فراشه مكتوبا عليه: إن الذي غرسه هنا قادر على أن يغمده في صدرك، وأنه سمع عن أمراء الحصون أنهم يضمرون العقيدة الباطنية ويعلنون الطاعة للسلاجقة في انتظار الأمر من شيخ الجبل، فآثر المسألة على القتال. •••
ولم يبال شيخ الجبل بالانقطاع عن الدعوة الفاطمية، بل لم يبال بسقوط الخلاف الفاطمية ولم يحجم عن تهديد خلفائها علانية وخفية، وهمه قبل كل شيء أن يكون أتباعه خالصين لطاعته والثقة به في غير مشاركة ولا هوادة، فانقسمت الدعوة الإسماعيلية على نفسها وأصبح لها في البلاد الفارسية والعراقية معسكران متنازعان: أحدهما معسكر ابن الصباح يدعو إلى نزار، ويدعي المهدية لشيخ الجبل ويحارب المعسكر الآخر من الإسماعيليين، والثاني يدعو إلى المستعلي وأبنائه. وبقيت منها اليوم طائفة الإسماعيليين المعروفين باسم البهرة، يقولون: إن المهدي المنتظر سيظهر عما قريب من سلالة الخليفة «الآمر» الفاطمي، وإنه يحضر موسم الحج في كل عام، فمن رأى الحجاج جميعا في موسم من مواسم الحج فقد رآه.
وحيرة المؤرخين والباحثين النفسانيين هي حياة الرجل في السنوات الأخيرة من مقامه بقلعة آلموت. إنه لم يكد يفارقها بعد دخولها، ولم تكن له أسرة فيها غير امرأته وولديه. وهذا الزعيم «الباطني» الذي قيل عن مذهبه: إنه ذريعة إلى استباحة المحرمات والتهالك على اللذات قد اتفق الكاتبون عنه على زهده واعتكافه وعزوفه عن المباح من الأطايب، فضلا عن الحرام، وزعم بعض المؤرخين حين قتل ابنه أنه قتله لمخالفته إياه في شرب الخمر على الخصوص، ولم يقتل ولدا واحدا بل قتل ولديه الاثنين وهو في شيخوخة لا مطمع له بعدها في الذرية، وهذه هي حيرة أخرى من حيرات لا تحصى في مسلك هذا الإنسان العجيب كله، وفي مسلكه قبيل وفاته على الخصوص. •••
نامعلوم صفحہ