فاطمة الزهراء والفاطميون
فاطمة الزهراء والفاطميون
اصناف
وقد صار المجتمع الإسلامي إلى تلك الحالة في القرن الرابع وما تلاه بعد تمهيدات متلاحقة بعضها من فعل السياسة وبعضها من فعل الثقافة والعادة المستحدثة.
فأما التمهيدات التي هي من فعل السياسة فهي ما اسلفناه من تزعزع الثقة بحق السلطان القائم على اختلاف الحاكمين والحكومات، وأما التمهيدات التي هي من فعل الثقافة والعادة المستحدثة فهي انتشار الفلسفة ونشأة البحوث العقلية في علوم الدين ومنها علم الكلام والتوحيد، ومنها اقتباس الحضارات الغربية وانقسام الأمر فيها بين المحافظة والتجديد والاسترسال مع العرف الطارئ في غير بحث ولا مبالاة.
وقد كان أنصار السلطان القائم محافظين؛ لأنهم يبغضون التغيير ويحافظون على كل قديم.
وقد كان أنصار البحث والاستطلاع أقرب إلى التجديد والتغيير، وكانوا مظنة للتهم من أنصار القديم، فكان من الطبيعي الذي لا غرابة فيه أن يصطنعوا التقية ويظهروا للناس غير ما يبطنون، سواء كانوا من المتصوفة الذين يلتمسون النجاة عند «الواصلين» المتمكنين من بواطن الأسرار، أو كانوا من الفلاسفة الذين يشفقون من رجمات الظنون ولا يأمنون العامة ولا ذوي السلطان المتوجسين من كل جديد، أو كانوا من غير المتصوفة والفلاسفة أقواما يعالجون من المعارف ما يشبه السحر والكهانة، وهي علوم التنجيم والتماس الأسرار عند النجوم.
ولم يكن الفارق بين علم النجوم الصحيح وعمل النجوم الزائف قد حسم في ذلك العصر على وجه يمنع اللبس والاختلاط بين المطلبين، فإن الفلاسفة الذين كانوا يتحدثون عن العقول العشرة كانوا يربطون بين هذه العقول العشرة وبين الأفلاك، ويقولون بغلبة الأرواح النورانية التي لا تقبل الفساد على كواكب السماء، وأن الصلة بينها وبين الإنسان تتوقف على الرياضة والصفاء، وقد كان المتصوفة يؤمنون بالتجلي ولا يمنعون أن ينكشف الغطاء عن البصر والبصيرة، فتلمح في العالم العلوي ما أودعه الله فيه من الدلائل والإشارات.
وإذا كانت «الباطنية الواقعية» قد سولت لشاعر أن يطلب السلطان بدعوى النبوة أو المهدية، وقد أوقعت في النفوس أن ناسكا ضريرا يسيطر على الوزراء والجنود بقوة الغيب أو بقوة النجوم، فمن الخلط أن يقال: إن الباطنية كلها وليدة الدعوة الفاطمية، وإن هذه الدعوة مسئولة عن كل ما كان يستباح في الخفاء، وكل ما تذرع به الطامعون في الحكم من ذرائع الدنيا والدين.
الفصل الثاني عشر
الباطنية الفاطمية
وكانت للفاطميين على هذا باطنية فاطمية أو إسماعيلية، إلى جانب هذه الباطنية الواقعية.
لم يقم الدليل على انتماء الباطنية الفاطمية أو الإسماعيلية إلى داعية من المجوس أو اليهود دبرها تدبيرا ولفقها تلفيقا لهدم الإسلام خاصة وهدم الديانات عامة، وتلقين «الواصلين» دروس الكفر والتعطيل وإنكار البعث والحساب واستباحة المحرمات والمنكرات، كراهة للعرب ودولتهم، وانتقاما منهم بالدسيسة وقد عجزوا عن الانتقام منهم بالقهر والعدوان.
نامعلوم صفحہ