فاطمة الزهراء والفاطميون
فاطمة الزهراء والفاطميون
اصناف
كان الفاطميون يطلبون الخلافة ويعتمدون في طلبها على انتسابهم إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، وكان هذا النسب حجة معتمدة لا يماري فيها الأكثرون من أتباع الدول الإسلامية الذين تسري بينهم دعوى آل البيت، غير مستثنى منهم أتباع الدولة العباسية في ذلك العهد على الخصوص، وهو عهد النقص والأدبار الذي يكثر فيه طلاب الزوال أو طلاب العلل بالحق وبالباطل، وعلى الإنصاف الواضح أو على الجور الصراح.
كان مصير الخلافة إلى الفاطميين نذيرا بزوال عروش كثيرة، منها عروش العباسيين في بغداد والإخشيديين في مصر والأغالبة في إفريقية الشمالية والأمويين في الأندلس، والأمراء الصغار المنبثين في هذه الرقعة هنا وهناك ممن يطيب لهم القرار على ما هم فيه ولا يطيب لهم التبديل والانتقال.
وكان هؤلاء المالكون غرباء عن أهل البيت ما عدا العباسيين، ولكن العباسيين في ذلك العهد خاصة كانوا أخوف الخائفين من نسب الفاطميين، بعد أن كانت دعوة أهل البيت تشملهم أجمعين منذ ثلاثة قرون.
عندما ضعفت دولة بني أمية قويت دعوة آل البيت التي كان يقوم بها العلويون والعباسيون.
ولكن العباسيين أخذوا بزمام الدولة الجديدة على اعتقاد الأكثرين أنهم كانوا يدعون إلى خلافة العلويين أبناء فاطمة وعلي أحق الناس باسم آل البيت في رأي أتباع الدولة الجديدة. وبلغ من إيمان أتباع الدولة الجديدة بهذا الرأي أن خلفاء بني العباس أظهروا العزم على الوصاية بعدهم لولاة عهد العلويين، كما فعل الرشيد والأمين. ثم استحكم العداء بين بني العباس وبني علي حتى لجأ الأئمة العلويون إلى الاختفاء، وشاعت يومئذ العقيدة في الإمام المستور، ثم شاعت الدعوة إلى العلويين باسم الفاطميين؛ لأنها أقرب الدعوات إلى بنوة محمد عليه السلام. فقد يقال: إن العباسيين أبناء العباس عم النبي، وإن العلويين أبناء علي ابن عمه أبي طالب! أما الانتماء إلى فاطمة الزهراء، فهو انتماء إلى بيت النبي نفسه، وليس إلى الأعمام ولا أبناء الأعمام.
في أوائل الدولة العباسية، كانت دعوة آل البيت تشمل العلويين والعباسيين، وكان الخلاف يسيرا بين الفريقين على أمل التوفيق بينهما بعد حين، وكانت قوة الدولة في نشأتها تصمد لهذا الخلاف الذي هان أمره ولم يبلغ أشده في أول عهده، وكان يكفي أن يقال عند اشتداده: إن وراثة الأعمام أقرب من وراثة أبناء الأعمام.
ولكن الدولة العباسية بقيت حتى تضعضعت وكثر الساخطون عليها والمتبرمون بها والراغبون في زوالها، وكثر كذلك شهداؤها من آل البيت أبناء علي وفاطمة، وزال عنها عطف العاطفين عليها لقرابتها من بيت النبوة، فتحول عطفهم إلى الشهداء المظلومين المشردين في أرجاء البلاد، وأصبح تشردهم الذي يظن به أنه يضعفهم مددا لهم من أمداد العطف والولاء، وأصبحت دعوة «الفاطميين» وقفا على هؤلاء المشردين المظلومين لا يشركهم فيها العباسيون؛ لأن العباسيين هنا هم الخصوم المحاسبون على الظلم والنكال واختلال حبل الأمور.
ومن الفاطميين هؤلاء يأتي الخطر الأكبر على بني العباس، ومن نسبتهم إلى فاطمة الزهراء يأتي امتيازهم بحق الخلافة، وبهذا الحق يطلبون النصفة للشهداء والمضطهدين، فأي شيء أقرب إلى مألوف السياسة من دفع الخطر بإنكار هذا النسب، ومن حصر الولاء لأهل البيت في القائمين بالأمر من بني العباس؟
وقد أنكر العباسيون نسب الفاطميين وزعموا أنهم ينتسبون إلى ميمون القداح ابن ديصان الثنوي القائل بالإلهين، وتلقف التهمة كل ناقم على الفاطميين، وهم صنوف ينتمون إلى كل مذهب ونحلة،
نامعلوم صفحہ