11
ويتردد ذلك الاسم في قصص موسى، وكان لا يزال باقيا يطلقه القبط عليها في القرن السابع، ويفيد ذلك الاسم معنى «مدينة الشمس». ولا شك أن اليونان أخذوا ذلك المعنى فجعلوا اسمها عندهم «هليوبوليس»، وقد احتفظ العرب كذلك بذلك المعنى فجعلوا اسم الموضع «عين شمس».
12
وكانت هذه المدينة معروفة بعظمة آثارها، كما كانت معروفة بأنها قبلة لأهل العلم وكعبة للدين. ولما زارها «سترابو» قبل ذلك الوقت بستة قرون كان الناس هناك يدلونه على المواضع التي كان أفلاطون يتلقى فيها العلم من قبل. على أن الزمن عند ذلك كان قد غير المدينة، وجرت صروفه وحروبه وحصاراته ذيل العفاء على أكثر معابدها وتماثيلها. فلما أتى العرب لم يكن باقيا من مجدها القديم إلا قليل من أسوار مهدمة، وتماثيل ل «أبي الهول» قد دفن نصفها تحت الثرى، وعمود واحد مما يعرف ب «المسلة»، ولا يزال باقيا إلى اليوم ذكرى من ذلك العالم الغابر.
وكانت المدينة على نهد من الأرض، يحيط بها قديما سور غليظ لا يزال أثر منه باقيا إلى اليوم.
13
ولم يكن لها خطر في الحرب في ذلك الوقت، ولكنها كانت تستطيع المدافعة، وكان فيها ماء كثير، وتصلح لإمداد الجيش بالمئونة؛ ولهذا اتخذها عمرو مقرا، وجعل يتجهز منها لما هو مقبل عليه من القتال. وقد وصفنا فيما سلف من قولنا مقدم «تيودور» إلى حصن بابليون، وأنه جعل يحشد فيه الجنود من بلدان مصر السفلى، ولكن لعله ما أتم حشد الجيش الذي كان يستطيع به قتال العرب والخروج به إلى عين شمس حتى كانت الأمداد التي بعث بها عمر بن الخطاب قد بلغت عمرو بن العاص، فأصبح بها أميرا على جيش عدته خمسة عشر ألفا، من بينهم طائفة من أكبر فرسان الإسلام وشجعانه.
14
ولسنا نعرف عدد الجيش الذي حشده الروم إلا بالظن والحدس، وقد عرفوا حق المعرفة ما كان عليه عدوهم من الشجاعة؛ فقد سمع قبطي مرة وهو يقول: ما أعجب أمر هؤلاء العرب؛ فإنهم أتوا إلى مصر في قلة من الناس يريدون لقاء الروم في كتائبهم العظيمة! فأجابه آخر من القبط: إن هؤلاء قوم لا يتوجهون إلى أحد إلا ظهروا عليه حتى يقتلوا عن آخرهم.
15
نامعلوم صفحہ