الفصل السادس عشر
وقعة هليوبوليس
سار عمرو بمن معه إلى الجنوب بعد أن عبروا النهر سالمين، وكان سيرهم بجوار المزارع حتى بلغوا «ممفيس»، وكانت تلك المدينة القديمة قد اضمحل أمرها منذ بناء الإسكندرية، ولم يبق منها اليوم باق، على أنها كانت في وقت غزوة العرب لا تزال أطلالها ماثلة في الموضع الذي كانت فيه عاصمة لدولة الفراعنة، وكانت فيها مساكن عدة لا تزال آهلة، وكانت في الجانب الآخر من النيل مدينة نما أمرها وزاد سكانها، حتى لقد كان يطلق عليها اسم ممفيس
1
أحيانا، وتلك هي مدينة مصر، وكان أكثرها إلى جنوب حصن بابليون. ولعل العرب رأوا عند ذلك لأول مرة وهم في الجانب الغربي للنيل مدينة مصر واضحة، تشرف عليها صروح حصن بابليون سامقة فوق ماء النهر من وراء جزيرة الروضة. وإن نفسا كنفس عمرو لا بد أن تكون قد ثارت بها سورة الشجون؛ إذ يرى عن يمينه الأهرام، وعن يساره نهر النيل وحصن بابليون، وحوله أطلال ممفيس. وأما من كان معه من الناس فأكبر الظن أنهم ما كانوا إلا غزاة البادية يسيرون بين آجام النخيل لا يعبئون إلا قليلا بما حولهم من آثار الحضارة الغابرة، ولا يلتفون إلى ما دونهم من بناء الروم أو البيزنطيين.
وأما سيرهم فليس لدينا علم بين بوصفه. وكان حاكم مدينة بيوم (الفيوم) اسمه «دومنتيانوس»، وأما حاكم الإقليم فاسمه «تيودوسيوس»، وكان عند ذلك مع حاكم الإسكندرية «أنستاسيوس» في بعض بلاد مصر السفلى بقرب «نقيوس»، ووكل أمر الدفاع عن الإقليم إلى «حنا»
2
قائد كتيبة «الخفر»، وهي كتيبة من أهل البلاد، وكان تحت إمرته رجل آخر اسمه «حنا الماروسي». وقد وضع الجنود عند ثغور الفيوم التي يدخل إلى الإقليم منها، وحرست حراسة حسنة، وأقام الروم ربيئة لهم في حجر اللاهون
3
ليرصد العدو ويعرف أخباره ومسيره، ويحمل أنباء ذلك إلى «حنا» وكان مقيما قرب شاطئ النهر، ثم أرسلت سرية من الفرسان والرماة إلى العرب لتحول بينهم وبين السير. ويلوح لنا أن جنود العرب لم يقووا على أن يخلصوا ممن لاقاهم من الروم، فعدلوا إلى جانب الصحراء وجعلوا يستاقون ما لاقوا من النعم، فأخذوا منها عددا عظيما، وما زالوا كذلك حتى بلغوا مدينة اسمها البهنسا، ففتحوها عنوة، وقتلوا من وجدوا بها من رجال ونسوة وأطفال،
نامعلوم صفحہ