وقد عانينا كثيرا في أثناء ترجمة هذا الكتاب؛ إذ إن المؤلف يقتبس فقرات كثيرة عن كتاب العرب، وبعض تلك الفقرات نصوص لا بد للمترجم أن يرجع إلى أصولها في اللغة العربية، حتى لا تكون الترجمة مذهبة روح القول الأصلي، أما البعض الآخر فعبارة عن أوصاف مادية لا يهمه إلا تأدية ما تصفه، وقد وفقنا - ولله الحمد - إلى الوصول لتلك النصوص في أغلب الأحوال، ولكن عجزنا عن بعضها لغير تقصير منا، ولنضرب لذلك مثلا قطعة منقولة عن هشام بن الكلبي، وهي عبارة عن مناظرة لعمرو بن العاص في حضرة معاوية؛ فقد بحثنا في كل ما استطعنا الوصول إليه من كتب التاريخ والأدب فلم نجد ذلك النص، ثم سألنا كثيرا من المتأدبين في مصر فلم يهتدوا إليه، وأرسلنا في طلب ذلك إلى المؤلف نفسه، ولكن طول العهد قد أنساه من أين أتى بذلك النص، فأرسل يعتذر - وله العذر - قائلا: «لعلي أخذت ذلك النص من بعض مقتطفاتي من مكاتب باريس ومدريد.» فاضطررنا أمام هذا أن نترجم النص الإنجليزي بقدر ما استطعنا من التقريب إلى أسلوب عصر معاوية وعمرو.
وقد وردت في الكتاب مقتطفات كثيرة عن اللغتين اليونانية واللاتينية، ولم يكن لنا حظ العلم بهاتين اللغتين، فاستعنا ببعض من لهم إلمام بهما؛ فأما النصوص اليونانية فقد ترجمها لنا صديقنا المسيو كلونارس، وأما النصوص اللاتينية فقد ساعدنا صديقنا المستر ويد، المدرس بمدرسة فاروق، بأن أرسلها إلى صديق معروف بالتفوق في تلك اللغة، وهو «القاضي بربكهيد»؛ فلهم جميعا عميق الشكر على خدمتهم الجليلة، وكان لا بد لنا مع هذا من إثبات الأصل؛ فأما النصوص اللاتينية فقد كان من السهل إيرادها في هوامش الكتاب، وأما النصوص اليونانية فقد تعذر علينا ذلك، فوضعنا علامة نجمة في موضع النص، مع كتابة رقم مسلسل بجوار النجمة، ثم ألحقت كل النصوص اليونانية في آخر الكتاب مسلسلة بأرقامها ليطلع عليها من شاء. كما أشكر محمد أفندي إسماعيل الصاوي على مجهوده في عمل فهارس الكتاب، وحضرة محمد أفندي نديم ملاحظ مطبعة دار الكتب على عنايته بإخراج الكتاب في شكله الحاضر.
محمد فريد أبو حديد
مقدمة المؤلف
لعلنا لسنا في حاجة إلى الاعتذار عن تأليف هذا الكتاب فيما يمس الغرض منه، فإنما الغرض منه أن نبني تاريخا واسع المدى مفصل الأخبار لفتح العرب مصر، ولم يسبق لأحد أن كتب مثل هذا التاريخ، اللهم إلا رسائل متفرقة ألم كاتبوها ببعض هذا الأمر إلماما، أمثال «جبون» ومن جاء بعده، وتلك الرسائل ما هي إلا بعض أبواب أو فصول موجزة داخلة ضمن مؤلفات مكتوبة عن دولة الروم أو عن دولة العرب. وفي الحق أنه لمما يسترعي النظر ألا يكون في أية لغة من اللغات بحث مفصل له قيمة يصف تاريخ ذلك الفتح، وقد كان ذلك من سببين اثنين: أولهما قلة ما لدينا من الأخبار التي يمكن أن يعتمد عليها الباحث العادي، وثانيهما ذلك الخلاف الواسع بين الرواة والمصادر، سواء منها المشهور وغير المشهور، وسواء في ذلك الشرقي منها والغربي.
وعلى ذلك فقد لف هذا الموضوع ظلام دامس، فكان الوالج فيه مقدما على تيه حالك من الخلاف والتناقض، وقد يلوح قولنا هذا كأن فيه مبالغة ومغالاة، ولكنه الحق لا شك فيه، ويعززه رأي كاتب معروف، وهو المستر
E. W. Brooks ؛ إذ يقول: «وقل أن نجد حادثا هاما من حوادث التاريخ قد خفيت أخباره واختلف في رواياتها كما هو حال تاريخ فتح الإسكندرية. حقا إن تاريخ غزو العرب للدولة الرومانية كله تاريخ مظلم غامض، ولكن تاريخ مصر أشده ظلمة وحلوكة.»
1
وقد أقدمنا على تأليف هذا الكتاب، وقصدنا منه - على الأقل فيما اختططنا لأنفسنا - أن نجلو بعض تلك الظلمة التي تلف الأمر لفا، وأن ندخل إلى الموضوع نتائج البحث الجديد، وأن ننتفع بما صار في متناول اليد من الأخبار الجديدة، وأن نقرن ما جاء في كتب مؤرخي الشرق بعضه إلى بعض، ثم نعالجه بالفحص والتمحيص حتى نقيم تاريخ هذا العصر على أساس علمي، ولم يخف علي ما في عملي من تقصير عن الخطة التي رسمتها له، بل إني عالم به حق العلم؛ فقد أخفقت طريقتي في بعض الحالات، ولم أفلح فيما قصدت منها، فكنت في ذلك عند قول
Maeterlinck «كمن يضع عدسة منظاره المكبر على سكون وظلمة». غير أني أقر أن إخفاقي كان في حالات أخرى راجعا إلى عجز في أنا لضعف علمي باللغة العربية، ومشقة السير في عملي في فترات قصيرة من أوقات الفراغ، وهو عمل يتطلب استقرار الذهن والبحث الدقيق المتواصل. على أنني أرجو أن عملي هذا سوف يبعث على زيادة البحث، ويحفز إلى المضي في الدرس. والحق أنني ألفيت نفسي مضطرا إلى مخالفة جل ما استقرت عليه الآراء في موضوع الفتح العربي ؛ فإنك تجد سيرة الفتح، حتى فيما كتبه أحدث المؤرخين وأقربهم عهدا، لا تزيد في مجملها عما يلي:
نامعلوم صفحہ