فتح العلي المالك

Muhammad Ali al-Ish d. 1299 AH
90

فتح العلي المالك

فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك

ناشر

دار المعرفة

ایڈیشن نمبر

بدون طبعة وبدون تاريخ

اصناف

فتاوی
أَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ ﵃ وَارِثِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي عِلْمِ الْأَحْوَالِ وَعِلْمِ الْأَقْوَالِ مَعًا خِلَافَ مَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْمُجْتَهِدِينَ لَمْ يَرِثُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَّا عِلْمَ الْقَالِ فَقَطْ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ جَمِيعُ مَا عَلِمَهُ الْمُجْتَهِدُونَ كُلُّهُمْ رُبُعُ عِلْمِ رَجُلٍ كَامِلٍ عِنْدَنَا فِي الطَّرِيقِ إذْ الرَّجُلُ لَا يَكْمُلُ عِنْدَنَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ فِي مَقَامِ وِلَايَتِهِ بِعُلُومِ الْحَضَرَاتِ الْأَرْبَعِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد: ٣] وَهَؤُلَاءِ الْمُجْتَهِدُونَ لَمْ يَتَحَقَّقُوا بِسِوَى عِلْمِ حَضْرَةِ اسْمِهِ الظَّاهِرِ فَقَطْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِعُلُومِ حَضْرَةِ الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ وَلَا بِعِلْمِ الْحَقِيقَةِ انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا كَلَامٌ جَاهِلٌ بِأَحْوَالِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَوْتَادُ الْأَرْضِ فِي قَوَاعِدِ الدِّينِ وَسَمِعْتُ سَيِّدِي عَلِيًّا الْخَوَّاصَ يَقُولُ كُلُّ مَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَجَدَ مَذَاهِبَ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ كُلَّهَا تَتَّصِلُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ الظَّاهِرِ بِالْعَنْعَنَةِ وَمِنْ طَرِيقِ إمْدَادِ قَلْبِهِ ﷺ لِجَمِيعِ قُلُوبِ عُلَمَاءِ أُمَّتِهِ فَمَا اتَّقَدَ مِصْبَاحُ عَالِمٍ إلَّا مِنْ مِشْكَاةِ نُورِ قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَسَمِعْته يَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى مَا مِنْ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمُقَلِّدِيهِمْ إلَّا وَيَنْتَهِي سَنَدُهُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ بِجِبْرِيلَ ثُمَّ بِحَضْرَةِ اللَّهِ ﷿ الَّتِي تَجِلُّ عَنْ التَّكَيُّفِ مِنْ طَرِيقِ السَّنَدِ الظَّاهِرِ وَالسَّنَدِ الْبَاطِنِ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الْحَقِيقَةِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْعِصْمَةِ فَمَنْ نَقَلَ عِلْمَهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ خَطَأٌ فِي قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِ وَإِنَّمَا يَقَعُ الْخَطَأُ فِي طَرِيقِ الْأَخْذِ عَنْهُ فَقَطْ فَكَمَا نَقُولُ إنَّ جَمِيعَ مَا رَوَاهُ الْمُحَدِّثُونَ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ الْمُتَّصِلِ يَنْتَهِي سَنَدُهُ إلَى حَضْرَةِ الْحَقِّ - جَلَّ وَعَلَا - فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِيمَا نَقَلَهُ أَهْلُ الْكَشْفِ الصَّحِيحِ مِنْ عِلْمِ الْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ جَمِيعَ مَصَابِيحِ عُلَمَاءِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ قَدْ اتَّقَدَتْ مِنْ نُورِ الشَّرِيعَةِ فَمَا مِنْ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ وَمُقَلِّدِيهِمْ إلَّا وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ لَا شَكَّ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَسَمِعْت أَخِي الشَّيْخَ أَفْضَلَ الدِّينِ وَقَدْ جَادَلَهُ فَقِيهٌ فِي مَسْأَلَةٍ يَقُولُ، وَاَللَّهِ مَا بَنَى أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ مَذْهَبَهُ إلَّا عَلَى قَوَاعِدِ الْحَقِيقَةِ الْمُؤَيَّدَةِ بِالْكَشْفِ الصَّحِيحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ أَبَدًا وَإِنَّمَا تَتَخَلَّفُ الْحَقِيقَةُ عَنْ الشَّرِيعَةِ فِي مِثْلِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الزُّورِ الَّذِينَ اعْتَقَدَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمْ فَلَوْ كَانُوا شُهُودَ عَدَالَةٍ مَا تَخَلَّفَتْ الْحَقِيقَةُ عَنْ الشَّرِيعَةِ فَكُلُّ حَقِيقَةٍ شَرِيعَةٌ وَعَكْسُهُ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَنَا بِإِجْرَاءِ أَحْوَالِ النَّاسِ عَلَى الظَّاهِرِ وَنَهَانَا أَنْ نَتْعَبَ وَنَنْظُرَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ رَحْمَةً بِهَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي» وَلَا تَسْبِقُ الرَّحْمَةُ الْغَضَبَ إلَّا بِكَثْرَةِ وُقُوعِ النَّاسِ فِي الْمَعَاصِي وَالزُّورِ وَزِيَادَةِ ذَلِكَ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالصِّدْقِ فَافْهَمْ. وَعَلَى هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ يَكُونُ إجْرَاءُ أَحْكَامِ النَّاسِ عَلَى الظَّاهِرِ عَلَى الشَّرْعِ الْمُقَرَّرِ بِتَقْرِيرِ الشَّارِعِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ

1 / 94