فلنذكر الآن غرض الرجل ثم نفسر رموز الشيخ أبي الفتح، وننظر هل اختياره أولى أو اختيار أبي الطيب في تجمل وتسلى. يقول أبو الطيب: إن من أهان بن كيغلغ أمن سطوته لعجزه عن مقابلته، أو لسقوط نفسه، كما ذكر الشيخ أبو الفتح. وإنما معنى المصراع من قول القائل:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا ... أبشر بطول سلامة يا مربع
ولبعض المحدثين مثله:
تعرض لي ناش وناش مبارك ... على القرن ميمون على من تغالب
وقد قصَّرا جميعًا عن الأول، ووقعا دونه. وقوله: تسلى بالبكاء قليلا. يريد إنه لا يملك من النكير عليّ إذ أهنته غير البكاء والجزع فيتسلى به إذ لم يقدر على إهانتي مكافأة على ما فعلت به. وهذا ابعد قوله:
أتاني كلام الجاهل بن كيغلغ ... يجوب حزونًا بيننا وسهولا
وكان أبلغ عنه إنه ذكره في بلاد الروم بقبح وتهده. فكأنه يقول تسلى بذلك القول ولم يريد المقابلة لي. ولكن تسلى بما أظهره من الجزع عجزًا عن إيقاع الفعل. فأقام البكاء مقام ذلك، إذ كان صدر عن جزع كما يصدر البكاء عن الجزع فما يصنع التجمل هاهنا. وكيف يتجمل بالبكاء من لم يقدر على مقابلة عدو ومجاراته بصنيعه بل ضد التجمل فعل من بكى جزعًا.