لأغيظنك، فذهب إلى أناس، وفي رواية: فمروا بقوم فقال لهم نعيمان: أتشترون مني عبدا لي؟ قالوا: نعم، قال: إنه عبد له كلام وهو قائل لكم: لست بعبده أنا حر؛ فإن كان إذا قال لكم هذا تتركونه فلا تشتروا عبدي ولا تفسدوه علي، قالوا: لا بل نشتريه ولا ننظر إلى قوله، فاشتروه منه بعشرة قلائص، فأقبل بها يسوقها وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال: دونكم هو هذا، فجاء القوم له وقالوا: قد اشتريناك، فقال: هو كاذب أنا رجل حر، وفي رواية: وضعوا غاشيته في عنقه وذهبوا به ولم يسمعوا كلامه، فجاء أبو بكر فأخبروه خبره، فذهب هو وأصحابه وتبعوا القوم وأخبروهم أنه يمزح، ورد القلائص عليهم، فلما قدموا على رسول الله ﷺ وأخبروه الخبر، فضحك من ذلك رسول الله ﷺ حولا كاملا؛ لأن سفر أبي بكر كان قبل وفاته ﷺ بعام، والله تعالى أعلم.
مطلب في الحديث الذي رواه أنس من قوله ﷺ: وإن استعمل عليكم عبد حبشي رأسه الخ
(سئل) عن الحديث الذي رواه أنس أن رسول الله ﷺ قال «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله» من تفسير الخازن أوضحوا لنا معناه.
(أجاب) يدل على معنى هذا الحديث قوله تعالى ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ فإن الآية وإن لم يكن فيها عبد حبشي الخ، عمومها يشمله؛ لأن العبرة بعموم اللفظ، قال البيضاوى: ويريد بهم أمراء المسلمين في عهد رسول الله ﷺ وبعده، ويندرج فيها الخلفاء والقضاة وأمراء السرية، أمر الناس بطاعتهم بعدما أمرهم بالعدل تنبيها على وجوب طاعتهم ماداموا على الحق، ولهذا قال في الحديث «ما أقام فيكم كتاب الله» وانظر كيف جمع الضمير في الأماكن الأربعة وأفرده في (أقام) لأن الضمير فيه للخليفة وهو لا يكون إلا واحدا بحسب الشرع، ولمطلق الحاكم وهو في ولايته واحد لا يجوز تعدده والرعايا متعددون، وقيل: المراد بأولي الأمر، هم العلماء للشرع؛ لقوله تعالى ﴿ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ أقول: الأصل هم العلماء وأمراء المسلمين، يأخذون الأقوال منهم ويعملون بها حتى يكون فعلهم على طبق الشرع القويم، وقد علم أن دين الإسلام قام بالحجة والبرهان، وهما للعلماء بعد رسول الله ﷺ بالسيف والسنان وهما * للسلطان وأعوانه، فمتى اعتمد الحكام على أقوال العلماء العاملين قاموا مقام رسول الله ﷺ ومتى أهمل السلطان العلماء قام على رجل واحدة فوهن حبله ودخل عليه عدوه من حيث لا يشعر، وهذا الحديث رواه عن أنس جماعة بزيادة ونقص، فرواه أحمد والبخاري وابن ماجه، قال القاضي عياض وغيره: أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وعلى تحريمها في المعصية للآية المذكورة،
1 / 51