على نفي ذلك، وأيضا التواتر المعنوي المنقول في كل عصر بل في كل زمن على وجودها ووقوعها.
الثاني: قوله ﷺ في الحديث المتواتر «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وستفترق النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. قالوا: يا رسول الله، أين نكون؟ قال: مع الجمهور.» فانظر فإن الجمهور على إثباتها واعتقادها، وأيضا فإن المنكر لها المعتزلة، وهم أقل من القليل لا يبلغون شرذمة بالنظر لغيرهم ممن أثبتها على أنها ممنوعة من أهل بدعة وضلالة؛ لأنها لا تكون إلا في سالم صدر وقوى يقين وتام تسليم وعظيم مراقبة وشديد محافظة وكثير عبادة وقوي ظن بالله ورسوله؛ لقوله تعالى «أنا عند ظن عبدي بي» فمهما ظنوه منه تعالى وقع كرامة أو غيرها، وقد حدث الآن فرقة فرقت بين موتهم، فلا توجد لهم كرامة وحياتهم فتوجد وكأنهم فروا من أن ينسب إليهم اعتزال، وظنوا بذلك تحريرا في المقال، ومع ذلك فلو دخلوا بذلك في عداد المعتزلة وسوء اعتقادهم، بل ربما كانوا على حال أشر من حال المعتزلة؛ لأني سمعت عن بعض من ينسب له هذا المذهب، ويسمى الآن قاضي زادلي، أنه ينكر ذلك حتى من الأنبياء بعد موتهم، فيقول: إنهم عليهم الصلاة والسلام لا كرامة لهم ولا بركة لهم بعد الموت، فقد نقل لي بعض من أثق به أنه قدم له زبيبا وقال له: كل من بركة الخليل على نبينا وعليه صلوات الملك الجليل، فقال للمقدم له: لا تقل من بركة الخليل؛ فإنه لا بركة له بعد موته، وهذا إنكار للقرآن الصريح، قال تعالى ﴿وباركنا عليه﴾ أي: إبراهيم﴾ وعلى إسحاق ﴿والحديث الصريح «كما باركت على إبراهيم» فجعل البركة أصلا في إبراهيم مقيسا عليه فيها ولده ﷺ فإن قيل: هذا في حياة إبراهيم؟ قلنا: الأصل بقاؤها ودوامها إذ لا دليل على نفيها على أن الواقع في الحديث وقع بعد موت إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فيكون إقرارا على هذا المعنى، ومما يدل على القطع والجزم بذلك ما لهم ﵊ من الشفاعة في الآخرة التي هي من آثار البركة، فإذا صدر هذا القول عن صميم القلب والاعتقاد بأن نفى عنهم البركة والكرامة بعد الموت فلا يشك في كفر المعتقد لذلك؛ لأن هذا الاعتقاد يجر إلى رفع خير كثير مما ينسب إلى الأنبياء الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام، وذلك من رفع معالم الدين ونصب معالم الشياطين، وأظن أن هؤلاء الطائفة أسوأ حالا واعتقادا من سائر المبتدعة، فيا رب سلم سلم، نعم ذكر في بحر الكلام أن المعية والكرامية قالوا: إن نبينا ﷺ الآن ليس برسول، وقال أبو الحسن الأشعري: الرسول ﷺ الآن في حكم الرسالة، وحكم الشيخ يقوم مقام الشيء، فما ذكر الخلاف إلا
1 / 47