للظاهر عن ظاهره، ولكن ظاهر الآية مفهوم ما حيلت الآية له، ودلت عليه في عرف اللسان، وثم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه. وقد جاء في الحديث: " لكل آيه ظهر ". وإنما يكون إحالة لو قالوا: لا معنى للآية إلا هذا، وهم لم يقولوا ذلك، بل يقرون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها، ويفهمون عن الله تعالى ما أفهمتم، والله اعلم.
وتوضيح ما قاله هؤلاء الأئمة في الرد على الصوفية هو أنا لا نشك أن القرآن نزل بلغة العرب. وقال تعالى: ﴿إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون﴾ فأناط تعالى عقله وفهمه بإنزاله بلغة العرب لفصاحتها وبلاغتها، وفهم أهلها معانيها منها ووضوحها، فأقل الأعراب إذا خوطب بها على القانون الذي هو بينهم فهم المراد منها، وقد أشكل كثير من القرآن على كثير من الصحابة لسعة اللغة عليهم، ولهذا قالوا: لا يحيط بها إلا نبي مرسل، فكان ﷺ يفسر لهم المراد، ويعين مدلول اللفظ من غير زيادة ولا نقص ولا خروج عن مدلول اللغة، ولهذا عد من أصول الكفر الجهل باللسان العربي لغة ونحوا ومعاني وبيانا وصرفا عن كثير من الحمقى، فوقع في كفر صراح وبدع منكرة وضلالات مستبشعة؛ لجهلهم بقواعد اللغة وعدم أخذهم لها عن أئمة منورين بنور الإيمان ومتوجين بتاج الإحسان ولابسين ثوب الإسلام لا يحرفهم عن الطريق البيضاء غرض، ولا يضعفهم عن بيان الشريعة الغراء مرض، بل عرفوا الحق فبينوه والباطل فأدحضوه على المنهج القويم والميزان المستقيم، وتبعوا طريق السلف وأعرضوا عن ابتداعات الخلف. قال بعضهم:
فكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف
\٥٠
فهنا ميزان قويم تزن به جميع ما يرد عليك من البدع والضلالات مما يزنه أهل الأهواء، وذلك أن دين الإسلام لا يخرج عن أمرين: أصول، وهو ما يتعلق بالله ورسوله مما يجب لله تعالى من الصفات ويستحيل عليه ويجوز عليه، ومثل ذلك الرسل عليهم الصلاة والسلام، وما يتعلق بأمر المعاد مثل سؤال القبر وعذابه والجنة والنار ونحو ذلك.
والناس لهم فيه إمامان: الإمام أبو الحسن الأشعري، ويعرف أتباعه بالأشاعرة، وأبو منصور الماتريدي، ويعرف أصحابه بالماتريدية، وبمذهب الأول أخذ الشافعية والمالكية ومن تبعهم، وبمذهب الثاني أخذ الحنفية والحنابلة ومن تبعهم، لا تخرج عن هذين الإمامين، فإذا أورد مبتدع أو ضال مسألة في الأصول فقل له: هل قال بها واحد من هذين الإمامين؟ فإن قال: نعم، فقل له: نطلب منك النقل، فإن ذكره أو أحضره على طبق المراد قبل منه وإلا رد عليه، وإن قال: قلت هذا برأي أو بدليل ذكره
1 / 32