92

فتاویٰ حدیثیہ

الفتاوى الحديثية

ناشر

دار الفكر

التَّفْصِيل وَالْفرق اللَّذين ذكرتهما، فَقَالَ جَوَابا عَمَّا فِي السُّؤَال: لَا يحل لمُسلم أَن يأنف من ذَلِك بل يجب عَلَيْهِ التضرع إِلَى الله تَعَالَى جاهرًا بِشَفَاعَتِهِ ﷺ لِأَنَّهَا تنَال الْمُحْسِنِينَ والمذنبين هِيَ قَوْله: (أُرِيد أَن أخبىء دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي فِي الآخر) وَجَمِيع الْعلمَاء على أَن الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي وعده الله هُوَ شَفَاعَته لأمته فتنال عُمُوم أمته فِي موقفين: الإراحة من الْموقف وَالزِّيَادَة فِي الْكَرَامَة والترفيع، والمذنبون مِنْهُم من ينَال شَفَاعَته فِي التجاوز عَنهُ، وَمِنْهُم من ينالها فِي الْخُرُوج من النَّار وَلَا يُحرم من شَفَاعَته إِلَّا الْكفَّار ولعلها لَا تنَال مَنْ يُكذِّب بهَا من المبتدعة فَمَعْنَى دُعَاء الرجل أَن لَا يحرم من شَفَاعَته مَوته على الْإِسْلَام غير زائغ وَلَا مُبْتَدع فَوَاجِب دعاؤه جهده وَلَا يَدْعُو بِإِخْرَاجِهِ من النَّار بِشَفَاعَتِهِ لِأَنَّهُ دُعَاء يسْتَلْزم الذَّنب الْمُوجب للنار انْتهى. ٧٧ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ، عَن شخص قَالَ: يُمكن أَن يُوجد من هُوَ أفضل من كَذَا فَهَل يكفر بذلك؟ فَأجَاب بقوله: إِن أَرَادَ إِمْكَان ذَلِك شرعا أَو أَن النبوّة مكتسبة فَهُوَ كَافِر أَو أَنه يُمكن من حَيْثُ الْعقل لَا بِالنّظرِ للشَّرْع فَلَا يكفر. ٧٨ وَسُئِلَ ﵁ بِمَا لَفظه: رأى بعض الطّلبَة سيرة النَّبِي ﷺ مَكْتُوبَة بِخَط غَلِق لَا يُقرأ إِلَّا بصعوبة فَقَالَ هَذِه سيرة رَدِيئَة فَهَل يكفر؟ فَأجَاب بقوله: إِن أَرَادَ مُجَرّد الْخط لم يكفرُّ وَكَذَا لَو أطلق الْقَرِينَة تصرف ذَلِك لِلْخَطِّ، وللمالكية فِي ذَلِك تَشْدِيد يَلِيق بمذهبهم. ٧٩ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: هَل أحد من بَنَاته ﷺ كزينب ﵅ كَانَ على الشّرك قبل النبوّة؟ فَأجَاب بقوله: معَاذ الله أَن يكون أحد منهنّ على ذَلِك بل هنّ على مَا كَانَ عَلَيْهِ أبوهنّ وسيدهنّ بل سيد الْخلق كلهم، فَإِنَّهُ ﷺ بَعثه الله وَهُوَ على الْإِيمَان الْكَامِل وَالنَّاس على فَتْرَة من الرُّسُل وَقد دَرَست الشَّرَائِع، وعمَّ الْكفْر والضلال، فتولاه وحفِظه من كل قَبِيح كَانَ عَلَيْهِ قومه وحبب إِلَيْهِ الْخَلَاء فَكَانَ يَخْلُو يتعبد فِي غَار حراء، قَالَ بعض الْأَئِمَّة: وَلَا شكّ فِي تمسك بَنَاته قبل مبعثه بهديه وَسيرَته. ٨٠ وَسُئِلَ نفعنا الله بِعُلُومِهِ بِمَا لَفظه: عَن صَاحب رسائل إخْوَان الصَّفَا وَمَا تَرْجَمته وَمَا حَال كِتَابه؟ فَأجَاب بقوله: نَسَبهَا كثير إِلَى جَعْفَر الصَّادِق ﵁ وَهُوَ بَاطِل، وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَن مؤلفها مسْلَمة بن أَحْمد بن قَاسم بن عبد الله المخريطي وَيُقَال المرخيطي. ومخريط من قرى الأندلس ويكنى أَبَا الْقَاسِم كَانَ جَامعا لعلوم الْحِكْمَة، من الإلهيات، والطبيعيات، والهندسة والتنجيم، وعلوم الكيمياء، وطبائع الْأَحْجَار، وخواص النباتات، وَإِلَيْهِ انْتهى علم الحِكْمَة بالأندلس وَعنهُ أَخذ حكماء ذَلِك الإقليم وَتوفى بهَا أَوَاخِر جمادي الْآخِرَة سنة ثَلَاث وَخمسين وثلثمائة وَهُوَ ابْن سِتِّينَ وَمِمَّنْ ذكره ابْن بشكوال وَغَيره وَكتابه فِيهِ أَشْيَاء حكمِيَّة وفلسفية وشرعية وَمِمَّنْ شدد النكير عَلَيْهِ ابْن تَيْمِية لكنه يُفْرط فِي كَلَامه فَلَا يغتر بِجَمِيعِ مَا يَقُوله. ٨١ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ عَن معنى قَوْلهم: (مَا اتخذ الله من ولي جَاهِل وَلَو اتَّخذهُ لعلمه)؟ فَأجَاب عَنهُ بقوله: معنى ذَلِك أَن الله تَعَالَى يفِيض على أوليائه الَّذين أتقنوا الْأَحْكَام الظَّاهِرَة، والأعمال الْخَالِصَة من مواقع الإلهام والتوفيق، وَالْأَحْوَال وَالتَّحْقِيق، مَا يفوقون بِهِ على مَنْ عداهم، فَمن تثبتْ لَهُ الْولَايَة الَّتِي لَا ينشأ كمالها إِلَّا عَمَّا ذكرنَا فَتثبت لَهُ تِلْكَ الْعُلُوم والمعارف فَمَا اتخذ الله وليا جَاهِلا بذلك، وَلَو فُرض أَنه اتَّخذهُ: أيّ أهلَّه إِلَى أَن يصير من أوليائه لعلَّمه أَي لألهمه من المعارف مَا يلْحق بِهِ غَيره، فَالْمُرَاد الْجَاهِل بالعلوم الوهْبية وَالْأَحْوَال الْخفية لَا الْجَاهِل بمبادىء الْعُلُوم الظَّاهِرَة، مِمَّا يجب عَلَيْهِ تعلمه فإنَّ هَذَا لَا يكون وليا وَلَا يُراد للولاية مَا دَامَ على جَهله بذلك، بل إِذا أَرَادَ الله ولَايَته ألهمه تَعلُّم مَا يجب عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمكن الإلهام فِيهِ، فَإِذا تعلمه وأتقن عباداته، أَفَاضَ عَلَيْهِ تَعَالَى من عُلُوم غيبه مَا لَا يدْرك بكسب وَلَا اجْتِهَاد. وَبِمَا تقرر عُلِم أَن عِلْم الشَّرَائِع لَا يدْرك إِلَّا بالتعليم الْحسي، أَلا ترى إِلَى مَا وَقع فِي قصَّة مُوسَى وَالْخضر عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَكِن معنى قَول الْخضر ﵇ لمُوسَى ﵊: (إِنَّك على عِلم لَا أعلمهُ أَنا) أَي لَا أعلم خُصُوص شرعك أَو كَمَاله، وَإِلَّا فالخضر كَانَ لَهُ شرع آخر، بِنَاء على الْأَصَح أَنه نَبِي، وَيلْزم من كَونه نَبيا أنَّ لَهُ شرعا غير شرع مُوسَى وَمعنى قَوْله: وَأَنا على علم لَا تعلمه أَنْت، أَي لَا تعلم خُصُوص مَا أُوتِيتهُ فَلَا يُنَافِي أَن مُوسَى عَلِم من المعارف والإلهامات وَالْأَحْوَال والخصوصيات مَا لم يحط بِهِ الْخضر. وَمِمَّا يُؤَيّد مَا قَدمته مَا حَكَاهُ الإِمَام الْمُحَقق ابْن عَرَفة الْمَالِكِي حكى أنَّ الْإِجْمَاع على أنَّ علم الشَّرَائِع. لَا يكون إِلَّا بِقصد التَّعْلِيم، وَأما الَّذِي يُعلِّمه لأوليائه فَهُوَ الإلهامات والأنوار والمعارف

1 / 93