فتاویٰ حدیثیہ
الفتاوى الحديثية
ناشر
دار الفكر
وَلَا قَائِل بِهِ فَانْدفع هَذَا وَمَا رتب عَلَيْهِ كَالَّذي قبله، وَلم يحْتَج إِلَى منع تصويب السَّيِّد وَغَيره عطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور، وقولك: نراهم إِلَخ صَحِيح وَلَو وَردت الْفَاء تكلفنا لَهَا أدنى من هَذِه التكلفات كَمَا يعلم مِمَّا يَأْتِي، فَإِذا لم ترد فَلَا حَاجَة إِلَى ذَلِك التَّكَلُّف على أَنه يلْزم عَلَيْهِ إيهامات تنَافِي الحكم الْمُقَرّر، وَكَلَام الْأَئِمَّة كَمَا تقدم فَلم نقل بِصِحَّة الْفَاء. فَإِن قلت: لَا نظر إِلَى تِلْكَ الإيهامات لِأَنَّهَا مَعْلُومَة من أَدِلَّة أُخْرَى خارجية. قلت: لَا عُذْر فِي تكلّف إِخْرَاج دَلِيل عَن ظَاهره لغير مُوجب، وَإِن لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ إِيهَام، فَكيف بِهَذَا الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ تِلْكَ الإيهامات، وقولك: وَعين الرِّضَا عَن كل عَيْب، يَدْفَعهُ أَن الله هُوَ المطلع على الْقُلُوب والعالم بحقائق مَا انطوت عَلَيْهِ، يُعَامل كل قلب بِمَا انطوى عَلَيْهِ، ويقصم من أَرَادَ غَيْرَ وَاضح الْحق بِحَسب مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده وتروِّيه، وَمَا ذكر فِي السُّؤَال لَا يدل على ذَلِك صَرِيحًا، لِأَنَّهُ على التنزل على أنَّ مُرادنا بِمُجَرَّد الْعَطف، أَن الْفَاء فِي عطف الْخَاص على الْعَام، وَعَكسه إِذا جعلناها بِمَعْنى الْوَاو وَتجوز أَنَّهَا قد تَأتي بمعناها، وَهَذَا الْقدر كَاف لَك فِي ادِّعَاء صِحَة الْفَاء لَو وردتْ، وقولك: إِلَّا أَن الإراحة أعمّ من الْحَد مَمْنُوع، لِأَن هَذِه الرِّوَايَة لما جاءتْ بثم لزم أَن تفسر الإراحة بِأَمْر يَتَرَتَّب على الْحَد لَا بِمَا يَشْمَل الْحَد، وَلَو وردتْ الْفَاء لَكنا فعلنَا فِيهَا نَظِير ذَلِك كَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ، فَمَا ذَكرْنَاهُ فِي السُّؤَال وَالْجَوَاب لَا غُبار عليهِ، على أَنِّي رأيتُ بعد ذَلِك فِي رِوَايَة الدَّارمِيّ الَّتِي قدمتها آنِفا الْعَطف بثم مَعَ ذكر الْأَمر بِالْإِحْسَانِ، وأخذتُ من ذَلِك أَن قَوْلهم بتعين الْوَاو فِي عطف الْخَاص على الْعَام وَعَكسه، إِنَّمَا هُوَ أغلبي وَلَو وَردت الْفَاء لجعلناه بِمَعْنى الْوَاو كَمَا مر، أَو من غير الْغَالِب كَمَا جعلنَا ثمَّ كَذَلِك. وَقد يُقَال لَا يلْزم من تجويزهم ثُمَّ لما دلّت عَلَيْهِ رِوَايَة الدَّارمِيّ تَجْوِيز الْفَاء فَالْأَصْل امتناعها حَتَّى ترد هِيَ، فيستفاد أَن عطف ذَيْنك تجْرِي فِيهِ الْفَاء كَمَا جرت فِيهِ ثمَّ، وَالظَّاهِر أَن أَئِمَّة النَّحْو لم يحيطوا بِرِوَايَة الدَّارمِيّ، فَهِيَ وَارِدَة عَلَيْهِم إِلَّا أَن يجيبوا بِمَا قَدمته، وَلَا يلْزم مِنْهَا تَجْوِيز الْفَاء كَمَا تقرر فَتَأمل ذَلِك كُله وَالله أعلم، وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم، وَكتب ذَلِك على عجل وَنحن بِالْمَسْجِدِ فَإِن أشكل فِيهِ شَيْء فَلَا بَأْس بالمراجعة، فَإِن الْقَصْد بِشَهَادَة الله تَعَالَى وَكفى بِهِ شَهِيدا، إِظْهَار الْحق لَا غير، وفقنا الله أَجْمَعِينَ لطاعته آمين. ثمَّ كتب إِلَيْهِ مَا صورته: أَطَالَ الله بَقَاء مَوْلَانَا قد وقفنا على جَوَابه الشريف وإذنه فِي مُرَاجعَته فِيمَا أشكل علينا مِنْهُ، وَمِنْه يُؤْخَذ الْإِذْن فِي مُرَاجعَته فِيمَا أشكل من غير هَذَا الْجَواب أَيْضا، وَقد أشكل على الْفَقِير لقصوره وتقصيره أَشْيَاء من هَذَا الْجَواب، وَمن غَيره، فَأَما مَا أشكل من غَيره فَهُوَ أَن مَوْلَانَا اسْتدلَّ على أنَّ الْوَاو أَمر مُتَيَقن ضَرُورِيّ لَا شكّ فِيهِ بِكَثْرَة النّسخ، فَإِنَّهَا قد تنزل منزلَة الْمُتَوَاتر كَمَا قَالَه ابْن الصّلاح وَغَيره، وَقد عرضنَا على مَوْلَانَا مَا أشكل علينا من ذَلِك فِي ورقة صَغِيرَة، وَهِي معروضة عَلَيْهِ أَيْضا مَعَ هَذِه الورقة. فَأجَاب فِيهَا: بِأَن الْمُحدثين أثبتوا أنَّ هَذِه الْكتب نُقلتْ عَن أَصْحَابهَا تواترًا، وَأَن ذَلِك التَّوَاتُر مُسْتَمر فِي جَمِيع الطَّبَقَات إِلَى وقتنا هَذَا إِلَى آخر مَا أَفَادَهُ مَوْلَانَا، وَهَذَا الْجَواب قد أشكل علينا أَيْضا لِأَن الَّذِي أثبتوا تواتره إِلَى الْآن هُوَ إجمالات هَذِه الْكتب، بِمَعْنى أَن الْجُمْلَة الْمَخْصُوصَة الْمُسَمَّاة بِصَحِيح مُسلم ثَبت بالتواتر أَن مصنفها وجامعها هُوَ مُسلم الإِمَام الْمَعْرُوف لَا تفصيلاتها، بِمَعْنى أَن كل لَفْظَة من نسخ تِلْكَ الْكتب بخصوصها، وَثَبت بالتواتر أَنَّهَا لَفْظَة صَاحب الْكتاب بِعَينهَا، ومسألتنا من الثَّانِي لَا من الأول فَإِن كَانَ هُنَاكَ نقل بِأَن التفصيلات بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور متواترة بِالنِّسْبَةِ لنا أَيْضا فلمولانا على إفادته الثَّوَاب الجزيل؛ وَكَذَا على بَيَان أنّ أَي تَفْصِيل متواتر النِّسْبَة فَإِن أَلْفَاظ النّسخ مُتَفَاوِتَة تَفَاوتا عَظِيما، وَيخْتَلف الْعلمَاء فِيهَا اخْتِلَافا كثيرا، وَلَا يُمكن أَن يكون مَحل الْأَلْفَاظ الْمُخْتَلفَة متواتر النِّسْبَة، وَإِلَّا دخلت الْفَاء فِيمَا نَحن فِيهِ فَلَا بُد من بَيَان الْقدر الَّذِي نحكم عَلَيْهِ بالتواتر بِالنَّقْلِ لتعظم الْفَائِدَة، وَأما مَا أشكل علينا من هَذَا الْجَواب فأمور: مِنْهَا: قَول مَوْلَانَا: وَذَلِكَ الْحق هُوَ أَن الْوَاقِع دعوتان متعارضتان، إِلَى قَوْله: وَغَيْرك ادّعى أَولا وَلم يسْتَدلّ لمدعاه. وَوجه إِشْكَال ذَلِك أَن مَوْلَانَا اسْتدلَّ على أَن الْفَقِير هُوَ الْمُسْتَدلّ بتأخر دَعْوَاهُ مَعَ استدلاله عَلَيْهَا، وَتقدم عدم دَعْوَى غَيره مَعَ عدم استدلاله عَلَيْهَا مَعَ أَن ذَلِك لَا ينْتج كَون الْفَقِير مُدعيًا فضلا عَن كَونه هُوَ الْمُسْتَدلّ، لِأَن دَعْوَاهُ الصِّحَّة منع أوردهُ بِصُورَة الدَّعْوَى مُبَالغَة، وهم يَفْعَلُونَ مثل ذَلِك ويصرحون بِهِ، وَمَا ذكره فِي صُورَة الدَّلِيل لَيْسَ دَلِيلا بل سندًا للْمَنْع فَلَا اسْتِدْلَال، وَظهر من هَذَا أَن الِاعْتِرَاض على مَا ذكره الْفَقِير لَا يُفِيد لِأَن إبِْطَال السَّنَد الْغَيْر الْمسَاوِي لَا يُفِيد، فضلا عَن
1 / 70