فتاویٰ حدیثیہ
الفتاوى الحديثية
ناشر
دار الفكر
بِالْوَاو الْمشَار إِلَيْهَا لَيست فِي جَمِيع الطَّبَقَات، وَأَنه لَا يلْزم من كثرتها كَثْرَة بَقِيَّة الطَّبَقَات، لجَوَاز أَن تكون بعض الطَّبَقَات الَّتِي قبل هَذِه لم تبلغ من الْكَثْرَة بِحَيْثُ تنزل منزلَة التَّوَاتُر، وَمُجَرَّد الِاحْتِمَال وَالظَّن لَو فرض لَا يَكْفِي، فَلَا بُد من إِثْبَات الْكَثْرَة فِي بَقِيَّة الطَّبَقَات أَو إِثْبَات أنَّ جَمِيع هَذِه الْكتب أُخِذَتْ من مُسْلم، وَلَا يَكْفِي مُجَرّد دَعْوَى ذَلِك وَلَا دَعْوَى أَنه حصل لنا الْعلم الضَّرُورِيّ وَهُوَ آيَة حُصُول ذَلِك، لِأَن الْعلم الضَّرُورِيّ الْحَاصِل بِوَاسِطَة الْكَثْرَة لَا يخْتَص مَعَ أَنه على هَذَا يكون حُصُول الْعلم الضَّرُورِيّ دَلِيل التَّوَاتُر، وَالْمَذْكُور فِي الْجَواب الْعَكْس على أَن دَعْوَى ذَلِك لَا تسري إِلَّا على الْخصم الْمَانِع، فَقَوْل مَوْلَانَا إِذا تقرر ذَلِك علم أَن رِوَايَة الْوَاو هِيَ الْأَمر الْمُتَيَقن الضَّرُورِيّ الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَلَا مرية فَلَا يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى الْبَحْث عَنْهَا مَمْنُوع فَمَا يكون جَوَابا لهَذَا الْقَائِل؟ فَأجَاب أَيْضا نفعنا الله بنوره، بقوله: إِن المحدّثين أثبتوا أَن هَذِه الْكتب نُقِلَتْ عَن أَصْحَابهَا تواترًا وَأَن ذَلِك التَّوَاتُر مُسْتَمر فِي جَمِيع الطَّبَقَات إِلَى وقتنا هَذَا، وَنحن لم ندّع الْعلم فِي نسبتها للنَّبِي ﷺ بل فِي نسبتها لمُسلم، وَذَلِكَ مِمَّا لَا مرية فِيهِ، فَإِن مَا رَأَيْنَاهُ من الْكتب مَعهَا كَثْرَة تَامَّة فِي الطَّبَقَة الَّتِي بعد مُسلم وَكَثْرَة كَذَلِك فِيمَن بعدهمْ وَهَكَذَا، ونسخة مُسلم بِمَنْزِلَة نُسْخَة الْأُم أَو الْمِنْهَاج مثلا، فَلَا يسع أحدا أَن يَقُول إِن نِسْبَة ذَلِك لمؤلفيه ظَنِّي، بل لَو جرى جمع من الْمُحدثين على أَن كل مَا فِي (الصَّحِيحَيْنِ) مِمَّا سَلِم من التَعْقيب المعتد بِهِ ضَرُورِيّ النِّسْبَة إِلَى النَّبِي ﷺ، ووَجهَّوه بِمَا أحْوج إِلَى تكلّف فِي الْجَواب عَنهُ، وَمِمَّا صَرَّحُوا بِهِ أَن التَّوَاتُر قد يحصل لقوم دون قوم، فَنحْن قد حصل لنا الْعلم الضَّرُورِيّ بذلك وَلَا يلْزم مِنْهُ حُصُوله لغيرنا الَّذِي لم يبْحَث كَمَا بحثنا وَلَو بحث أحد كَذَلِك لحصل لَهُ ذَلِك الْعلم، وَالله ﷾ أعلم بِالصَّوَابِ. ثمَّ كتب إِلَيْهِ ذَلِك الْبَعْض أَيْضا مَا لَفظه: تحيط الْعُلُوم الْكَرِيمَة أدام الله التَّمَتُّع بهَا آمين بِأَنَّهُ لم يكن النزاع إِلَّا فِي صِحَة الْفَاء لَا فِي التَّرْجِيح بَينهَا وَبَين الْوَاو، غَايَة الْأَمر أَن الْفَقِير لما ادّعى صِحَة الْفَاء قَالَ لَهُ المستفتي فِيهَا تكلّف، فَقَالَ لَهُ الْفَقِير: لَا نسلم التَّكَلُّف، بَيِّن وَجْهَه، فَقَالَ بديهي، فَقَالَ لَهُ بَاطِل، هَذَا غَايَة مَا وَقع فِي الْمجْلس بشهادات الْعُدُول الثِّقَات، ثمَّ لَا يخفى أَن الْفَقِير مُجيب فيكفيه الِاحْتِمَال وينفعه الْمَنْع، بِخِلَاف مدعى بطلَان الْفَاء، فَإِنَّهُ مستدل فَيحْتَاج إِلَى الدَّلِيل الحاسم الْمَانِع لصِحَّة الِاحْتِمَال كَمَا تقرر ذَلِك فِي مَحَله، فحاصل مَا يَقُوله الْفَقِير: لَا نسلم عدم صِحَة الْفَاء هُنَا، وَلَا نسلم أَن الْعَطف هَهُنَا يتَعَيَّن أَن يكون من عطف الْخَاص على الْعَام، وَإِنَّمَا يكون من ذَلِك لَو كَانَ المُرَاد بِالْإِحْسَانِ مفهومًا متناولًا لأمور هِيَ تَحْدِيد الشَّفْرَة، وتعجيل إمرارها وتخلية رجلهَا للاضطراب إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ذَكرُوهُ فِي معنى الْإِحْسَان، وَكَانَ المُرَاد بالإراحة مفهومًا متناولًا لبَعض تِلْكَ الْأُمُور فَقَط، وَكَانَ قَوْله: (ولْيَحدَّ) وَمَا بعده مَعْطُوفًا على قَوْله: (أَحْسنُوا) وَلَا نسلم أَن شَيْئا من ذَلِك مُتَعَيّن، لم لَا يجوز وُجُوه أُخر مخلصة من هَذَا الْمَحْذُور: مِنْهَا: أَن يكون الْعَطف على أَحْسنُوا، لَكِن يُرَاد بأحسان الذّبْح إِيقَاع الذّبْح على الْوَجْه الحَسَن المتناول لإيقاعه مَعَ تَحْدِيد الشَّفْرَة، ولإيقاعه مَعَ تَعْجِيل إمرارها إِلَى آخِره، وتُجْعل الإراحة عبارَة عَن تَحْدِيد السكين وتعجيل إمرارها وَغير ذَلِك، وَلَا شكّ أَن الْإِحْسَان بِهَذَا الْمَعْنى والإراحة بِهَذَا الْمَعْنى متباينان إذْ الْإِيقَاع الْمَذْكُور لَا يتَنَاوَل التَّحْدِيد، وَلَا تَعْجِيل الإمرار مثلا وإنْ حصل بِهِ، وَكَذَا لَو جعلتْ الإراحة بِمَعْنى جعل الذَّبِيحَة فِي رَاحَة من التعذيب أَو نَحْو ذَلِك يكون مباينًا للإحسان بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور. وَالْحَاصِل أَنه يَصح حمل الْإِحْسَان على الْمَذْكُور، والإراحة على الْمَعْنى الْمَذْكُور، وَبِذَلِك يتباينان فَيصح عطف أَحدهمَا على الآخر بِالْفَاءِ وَلَا يكون من عطف الْخَاص على الْعَام، وَإِمْكَان حملهما على معنى يَقْتَضِي أَن يكون بَينهمَا عُمُوم وخصوص لَا يُوجب الحكم بِفساد الْفَاء مَعَ إِمْكَان الْحمل على غير ذَلِك الْمَعْنى، وَلَا يَكْفِي فِي الِاسْتِدْلَال على الْفساد، أنّ بعضَهم فسرهما بِمَعْنى يَقْتَضِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص، لِأَن تَفْسِيره بذلك لايوجِب فَسَاد التَّفْسِير بِغَيْرِهِ، مَعَ قبُول اللَّفْظ واحتماله، وَنحن فِي مقَام الْمَنْع فَلَا يَكْفِي الِاسْتِدْلَال بتفسير الْغَيْر بل لَا بُدَّ من الدَّلِيل على عدم إِمْكَان هَذَا الْمَعْنى وَعدم صِحَة حمل اللَّفْظ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا: أَن تجْعَل الْوَاو فِي (وليحد) للاستئناف كَمَا قيل بذلك فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الأٌّرْحَامِ﴾ [الْحَج: ٥] وَقَوله: (فليرح) عطف على (ليحد) لَكِن لَا تفسر الإراحة بِنَفس التَّحْدِيد وتعجيل الإمرار وَغير ذَلِك حَتَّى يكون من عطف الْعَام على الْخَاص، وَهُوَ مُمْتَنع أَيْضا بل بِمَعْنى يتَحَقَّق بِهَذِهِ الْأُمُور كجعلها فِي رَاحَة،
1 / 67