الوجه الثالث: أن هذا لو كان فيما ذهبت إليه، لكان مخصوصًا بتحريم الرشوة التي أجمع الصحابة على تحريمها.
الوجه الرابع: أن حمل الحديث على هذا، من الفرية الظاهرة والكذب البحت على رسول الله ﷺ؛ فإن معنى ذلك في الإنسان الذي يداوي المريض بالقرآن، فيأخذ على الطب والدواء، لا على الحكم وإيصال الحق إلى مستحقه. ويدل عليه اللفظ الآخر: " كلْ. فمن أكل برقية باطل، فقد أكلتَ برقية حق " ١. والقصة شاهدة بذلك توضحه.
الوجه الخامس: وهو أن يقال لهذا الجاهل المركب: ٢ من استدل قبلك بهذا الحديث على أن الحاكم إذا أراد أن يوصل الحق إلى مستحقه يجوز له أن يشترط لنفسه شرطًا ٣، فإن حصل له، وإلا لم يفعل؟ فإن كان وجده في كتاب الله، فليبين مأخذه. وما ظنه بأهل العلم الأولين والآخرين الذين أجمعوا على ذلك؟ لا يجوز أن يظن أن إجماعهم باطل، وأنهم لم يفهموا كلام نبيهم حتى فهمه هو.
وأما استدلاله بأن الناس فرضوا لأبي بكر ﵁ لما ولي عليهم، كل يوم درهمين، فهذا من أعجب ٤ جهله. ومثل هذا مثل من يدعي حل الزنى الذي لا شبهة فيه، ويستدل على ذلك بأن الصحابة يطؤون زوجاتهم! وهذا الاستدلال مثل هذا، سواء بسواء! وذلك أن استدلاله بقصة
_________
١ أبو داود: البيوع (٣٤٢٠)، وأحمد (٥/٢١٠، ٥/٢١١) .
٢ في طبعة الأسد: الجاهل الجهل المركب وكذا في طبعة أبا بطين.
٣ في طبعة الأسد: شرطين وكذا في طبعة أبا بطين.
٤ في طبعتي الأسد وأبا بطين بدون كلمة: أعجب والزيادة من المخطوطة.
1 / 22