163

فتاویٰ السبکی

فتاوى السبكي

ناشر

دار المعارف

فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ فِعْلُ الْفَتْحِ لَهَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَذَلِكَ يَكُونُ الْمَقْصُودُ بِالْفِعْلِ فِيهَا أُمُورًا كَثِيرَةً فَعَلِمْنَا صِحَّةَ قَصْدِ الشَّخْصِ فِعْلًا لِأُمُورٍ. ثُمَّ يَجِبُ النَّظَرُ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا صَالِحَةً فَلِكُلِّهَا أَجْرٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا صَالِحًا وَبَعْضُهَا غَيْرَ صَالِحٍ فَإِنْ كَانَتْ مُتَضَادَّةً بَطَلَتْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَضَادَّةٍ وَجَبَ عَلَيْنَا تَوْفِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] فَيُرَتِّبُ عَلَى الصَّالِحِ مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَيُهْمِلُ غَيْرَ الصَّالِحِ مُبَاحًا كَانَ أَوْ مَكْرُوهًا فَإِنْ لَزِمَ مِنْ غَيْرِ الصَّالِحِ إبْطَالُ الصَّالِحِ أَبْطَلْنَاهُ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذَا تَجَرَّدَ الرِّيَاءُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَجُوزُ التَّوَسُّلُ بِهِ إلَى شَيْءٍ أَصْلًا وَلَوْ كَانَ قَصْدُ الرِّيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ قَبِيلِ الْمُحَرَّمَاتِ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِيهِ وَإِنَّمَا حَرَّفَ الْمَسْأَلَةَ أَنَّ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ بِالْمُسَبِّبِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَصُورَةُ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا صَحَّ التَّوَسُّلُ بِهَا لَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً وَلَا يَكُونُ التَّوَسُّلُ بِهَا تَوَسُّلًا بِالْحَرَامِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا عُلِمَ تَحْرِيمُهُ بِعَيْنِهِ أَعْنِي لَا لَأَنْ عَرَضَ لَهُ مَا اقْتَضَى تَحْرِيمَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَوَاعِثَ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ قَوْلُهُ ﷺ «يَكْفُلُ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ إنْ تَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ» فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ أَنْ يَقْصِدَ الْمُجَاهِدُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ ﷺ «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» لَا يُنَافِي ذَلِكَ بَلْ يَشْمَلُهُ بِعُمُومِهِ فَمَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَلَمْ يَقْصِدْ أَمْرًا آخَرَ فَهُوَ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ وَمَنْ قَاتَلَ لِذَلِكَ وَقَصَدَ مَعَهُ الْغَنِيمَةَ جَازَ أَيْضًا مِنْ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يُحْرَمُ الثَّوَابَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ إلَّا الْمَغْنَمَ أَوْ أَمْرًا دُنْيَوِيًّا كَمَا جَاءَ فِي الْكَلَامِ «إنَّمَا قَاتَلْت لِيُقَالَ» فَانْظُرْ كَيْفَ جَاءَ بِإِنَّمَا الَّتِي هِيَ لِلْحَصْرِ. هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدَ الْبَاعِثَيْنِ أَمَّا إذَا فَرَضَ كَمَا فِي السُّؤَالِ مِنْ حُدُوثِ بَاعِثٍ آخَرَ وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِالْعَمَلِ إلَى رَفْعِ الْبَاعِثِ الدُّنْيَوِيِّ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا بَاعِثٌ دِينِيٌّ خَالِصٌ مُسَوِّغٌ لِلْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَا أَقُولُ: إنَّ الْعَمَلَ خَالِصٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ الْبَاعِثِ الدُّنْيَوِيِّ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ حَتَّى يَصْفُوَ عَنْهُ. وَقَدْ وَقَفْت عَلَى أَسْئِلَةٍ سُئِلَهَا الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ السُّهْرَوَرْدِيُّ ﵁. وَالسُّؤَالُ الثَّانِي مِنْهَا مَعَ الْأَعْمَالِ يُدَاخِلُهُ الْعُجْبُ وَمَتَى تَرَكَ الْأَعْمَالَ يَخْلُدُ إلَى الْبَطَالَةِ. قَالَ: الْجَوَابُ لَا يَتْرُكُ الْأَعْمَالَ وَيُدَاوِي الْعُجْبَ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ظُهُورَهُ عَنْ النَّفْسِ وَكُلَّمَا أَلَمَّ بِبَاطِنِهِ خَاطِرُ الْعُجْبِ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَيَكْرَهْ الْخَاطِرَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ ذَلِكَ كَفَّارَةَ خَاطِرِ الْعُجْبِ وَهَذَا لَا يَدَعُ الْعَمَلَ رَأْسًا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شِهَابُ الدِّينِ يُشْبِهُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ

1 / 165