قال عبد الله: «إن هناك علاقة كبرى لا يمكنني التصريح بها إلا في اليوم الذي تقص شعرك فيه وستعلم إذ ذاك أمورا أنت غافل عنها الآن فلا تلومني على ترددي في أمر حبك لبنت ملك غسان. أنا أعلم أن حبك لها شرف وخصوصا إذا كانت هي تحبك ولكنني لا أستطيع التصريح بشيء إلا في اليوم المعين لوفاء النذر وهو يوم أحد الشعانين فنحن الآن في أواسط الصوم الكبير ولم يبق للموعد إلا بضعة أيام فتتم السنة الحادية والعشرون من ولادتك فنقص لك شعرك ونكشف حقيقة أمرك فتدخل عالما جديدا وتطلع على أسرار ربما كان فيها ما يحول بينك وبين هند.»
فعجب حماد لذلك واشتاق إلى مجيء يوم الشعانين شوقا زائدا وأخذ يفكر في كلام عبد الله ولكنه قال له: «وماذا عسى أن يحول بيني وبينها.»
قال: «قلت لك أني لا أقدر على التصريح بأكثر من ذلك فأرى أن تتبصر وتتأنى ففي التأني السلامة.»
وكان في عزم حماد أن يطلعه على ما تواعدا عليه من الإلتقاء في دير بحيراء فلما رأى منه هذا التهويل كتم أمره وسكت ليرى ما يكون بعد اجتماعه بها ثم يكاشف والده بكل شيء على أنه حسب تهويل والده حيلة في ترغيبه عن هند .
وكان قد مر نصف الليل وغلب التعب والنعاس على حماد ولحظ عبد الله منه ذلك فقال: «هلم بنا إلى الفراش يا ولدي إلى أن يقضي الله بما يشاء ولكنني أوصيك أن لا تقطع أمرا أو تصله إلا بعد يوم الشعانين فإنك إذا فعلت شيئا بعد ذلك إنما تفعله عن بصيرة.»
فسار حماد إلى فراشه وقد همه يوم الشعانين حتى كاد ينسيه هندا وموعدها وود أن يفعل ما أمره به والده ولكن عواطفه غلبت عليه فبات ينتظر صباح الغد انتظار الظمآن للماء فقضى معظم الليل ولم يغمض له جفن وهو يتردد بين حديث الشعانين وحديث هند حتى كان آخر الليل فنام قليلا.
الفصل السادس
مدينة بصرى
وأصبح حمادا في الفجر فهرول إلى ثيابه فلبسها وعبد الله لا يزال نائما فأراد أن يوقظه ليستأذنه في الذهاب إلى بصرى على سبيل التفرج فخاف أن يطلب الذهاب معه فعول على الذهاب بنفسه خفية.
فركب جواده وقد لبس الكوفية والعقال وجعل عليه القباء كالعباء وسار شرقا قاصدا مدينة بصرى ولم يصطحب أحدا من الخدم إخفاء لما سار من أجله وكانت الطريق بين غسام وبصرى على استقامة واحدة كأنها هدمت بالمسطرة والفادن والبركار مرصفة بالحجارة الصلدة على نظام سائر طرق الرومان وقد تأكلت الحجارة من مسير عجلات مركباتهم يحدها من الجانبين حائطان ضخمان ارتفاع كل منهما ذراع. ولم يسر ساعة حتى أطل على بصرى وأول ما شاهده منها حوضها الكبير الغربي الواقع خارج السور وهو عبارة عن خزان للمياه كبير طوله 1250 قدما وعرضه 650 قدما وكان لبصرى أحواض أخرى في الشرق والشمال لخزن الماء خوفا من الجدب لبعدها عن الأنهر والغدران.
نامعلوم صفحہ