180

قال: «أرى إنكما غريبان فربما عسر عليكما المسير منفردين وقد آنست فيكما عنصرا جيدا فهل تقبلان مرافقتي إلى المدينة تقيمان فيها ريثما تعزمان على البلقاء وربما أرفقتكما بمن يوصلكما إليها».

فنهض سلمان نهوض الاحترام واثنى على حسان ثناء طيبا وقال: «إننا نشكر لفضل الشاعر شكرا جزيلا ولا نعد ذلك منه إلا كرما ومنة عرف بها عرب الحجاز منذ القدم».

قال: «عفوا يا أخا لخم إني لا أجود إلا بمال المناذرة ولا أرتع إلا في بحبوحة خيرهم فأني لا أنكر فضل العراق علي وعلى كل من نزل ديارهم من الغرباء وذلك أمر مشهور لا يجهله أحد فيكف بأهله فإذا شئتما المسير إلى منزلكم الليلة فاعدوا حوائجكم وها إني مرسل معكم من يحملها إلينا فنبيت الليلة هنا ونصبح سائرين إن شاء الله».

الفصل الحادي والخمسون

اللقاء

فباتوا تلك الليلة في منزل حسان وأصبحوا جميعا قاصدين المدينة وحسان يطرفهم في أثناء الطريق بلطائف منظوماته في مدح ملوك الحرية وملوك غسان وحماد يستزيده مما نظمه في جبلة بن الايهم ويطرب كل بيت يسمعه ولم يكن ذلك إلا ليزيد أشجانه ويذكره بخطيبته هند ثم تذكر ثعلبة وأباه الحارث بن أبي شمر فقال: «وكيف رأيت الحارث بن أبي شمر؟»

قال: «رأيته كريما محبا للشعراء ولكنه كان حاسدا لجبلة فكنت إذا مدحت جبلة في حضرته كان الحسد يظهر على وجهه مع ما كان يحاول إخفاءه من عواطفه».

فتحقق حماد أن ثعلبة إنما ورث ذلك الخلف عن والده وزاد عليه اللؤم والخساسة ولما تذكر ذلك غلب عليه الانقباض وأوجس خيفة على هند من غدره أثناء غيابه وخصوصا إذا عاد خالي الوطاب فاستولى عليه السكوت فأدرك سلمان منه ذلك فأراد إخفاء الأمر عن حسان فقال: «وكيف رأيت جبلة».

قال: «رأيته شهما عزيز النفس كريم الخلق كثيرا ما عرضت بحسد الحارث أمامه وهو لا يبالي بل كان يلتمس له عذرا ويغالطني متجاهلا فكنت لا أزداد إلا إعجابا به».

فقال سلمان: «وأي الملكين أشد بطشا الآن؟»

نامعلوم صفحہ