وعلى كل حال فمن ألتقطه ملكه بالأخذ على الصحيح اعتبارًا بالعادة، وقيل: لا، لأنه لا يوجد لفظ تمليك، فعلى هذا للناثر الاسترجاع. قال أبن كج: ما لم يخرج من المنزل، وعليه العذر إن أتلفه، ومن وقع في حجره فإن بسطه لذلك لم يبطل حقه في الأصح، فيمتنع على غيره أخذه، وإن سقط في حجره قبل أن يقصده أخذه، أو قام فسقط، بطل اختصاصه به، ولم يأخذه عادة.
وشمل هذا الإطلاق نثر الدراهم والدنانير، ومنعه أولى لا سيما بين السفلة والرعاع، لما فيه من التكالب والقتال وإيراث الوحشة والعداوة، وربما أخذه من غيره أحب إلى صاحب النثار، والله أعلم.
التنبيه الثاني:
إجابة الدعوة
في الإجابة على جميع هذه الولائم؛ فإن كانت وليمة العرس المتقدمة، فإن أوجبنا الوليمة وجبت الإجابة وجهًا واحدًا. وإن لم نوجبها وهو الراجح كما تقدم وجبت الإجابة أيضًا على الراجح. ورجحه العراقيون للأحاديث الصحيحة: " إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب ". وفي لفظ: " من دعي إلى وليمة فليأتها ". وفي رواية: " من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله " رواه مسلم. وحكى أبن عبد البر الإجماع فيه ولكن قال في الاستقصاء وحكي عن مالك وأحمد أنهما قالا: الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة غير واجبة انتهى. وأما وليمة غير العرس من الولائم المتقدمة عبد من قال باستحبابها، فالإجابة إليها مستحبة وقال البلقيني ولا تجب الإجابة في غير وليمة العرس على ما صححوه. والأحاديث تقتضي الوجوب مطلقًا انتهى. وقال الزركشي: قولهم إن الإجابة إلى غيرها من الولائم لا يجب، وهو ما صححوه، لأن عثمان بن العاصي دعي إلى ختان فلم يجب وقال: لم يكن يدعى له على عهد رسول الله ﷺ. رواه أحمد في مسنده. لكن الأحاديث تقتضي الوجوب مطلقًا. وفي الصحيحين: " إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ". وفي أبي داود: " فليجب عرسًا كان أو غير عرس ". وبالوجوب أجاب الشيخ أبو حامد وأتباعه كالمحاملي. وقال صاحب البيان: إنه الأظهر انتهى. وأختار هذا الشيخ تقي الدين السبكي. ثم حيث أوجبت الإجابة فهي فرض عين على الراجح عند الجمهور من الشافعية، وقيل فرض كفاية لأن المقصود ظهور تميز النكاح عن السفاح، وذلك يحصل بحضور البعض، وصار كالابتداء بالسلام ورده.
شروط تلبية الدعوة
ثم حيث أوجبناها إلى وليمة العرس واستحببناها لبقية الأنواع إنما تجب أو تستحب بشروط: أحدها: أن لا يخص الأغنياء.
بل يعم الداعي بدعوته جميع عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته أغنياءهم وفقرائهم، فإن وقع التخصيص فلا تجب الإجابة، لقوله ﷺ: " شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء " رواه مسلم. وفي رواية " يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها ". قال البلقيني: كذا قالوه، والحديث السابق يقتضي خلافه انتهى. وقال بعض الشراح: وقوله " يدعى إليها " جملة حالية مقيدة بسببها، ويخرج عن التخصيص بأن يدعو جميع عشيرته كلهم أغنياء. أو كان فقيهًا فدعا الفقهاء وكلهم أغنياء، لم يكن ذلك من التخصيص المكروه انتهى.
الشرطة الثاني: أن يخصه بالدعوة بنفسه أو يبعث إليه شخصًا.
وصريحه أن يقول أسألك الحضور، وأجاب أن تحضر، وأن رأيت أن تجملني بالحضور. أما لو فتح باب داره وقال: ليحضر من أراد، وأن يبعث شخصًا ليحضر من أراد لم يجب، قاله الماوردي. فلو قال الشخص: أحضر وأحضر معك من شئت، فقال ذلك الشخص لغيره: أحضر، فلا يجب ولا يستحب، لأن الامتناع والحالة هذه لا يورث التأذي والوحشة، ولو قال: إن شئت فأحضر لم يلزمه، قال الشافعي: وما أحب أن يجيب والله أعلم.
الشرط الثالث: أن لا يكون إحضاره لخوف منه.
1 / 20