بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الرقيب المولي الإنعام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الكرام.
وبعد، فهذا تعليق سميته " فص الخواتم فيما قيل في الولائم " وقد نظمها قاضي القضاة صدر الدين بن العز الحنفي فقال:
أسامي الطَّعامِ اثنانِ منْ بعدِ عَشْرةٍ ... سَأسْرِدُها مقرُونةً ببيانِ
وليمةُ عُرْسٍ ثمَّ خُرسُ وِلادَةٍ ... عقيقةُ مَوْلُودٍ، وَكيرةُ بانِ
وَضيمةُ ذيْ مَوْتٍ نَقيعةُ قادِمٍ ... عَذيرٌ أو أعذارٌ ليومِ خِتانِ
ومأدُبةُ الخِلاّنِ لا سببٌ لها ... حِذَاقُ صَبيًّ يومَ ختمِ قُرانِ
وعَاشِرُها في النَّظمِ تُحفةُ زائرٍ ... قِرى الضَّيفِ مَعْ نُزْلٍ لَهُ بأمانِ
معنى الوليمة
اعلم إن الولائم جمع وليمة، وهي: قال صاحب العين في اللغة: الطعام المتخذ للعرس. قاله ثعلب. وقال أبن عبد البر: قال أهل اللغة: الوليمة هي طعام العرس والإمْلاَك. قال الأزدري: واشتقاقها من الوَلْم، وهو الجمع، وأصلها من اجتماع البنية. يقال: ولم الغلام، إذا اجتمع عقله وخلقه. وسُمي القيد في الرجل ولما، لأنه يجمع الرجلين. وقال القاضي أبو الطيب: والأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح، وتقييد في غيره. وقال السّراج البلقيني: سميت بذلك لاجتماع الزوجين، ثم أطلقت على غيرها بقرينة تشبيهًا بها. وإذا لمح مطلق الجمع فأسم الوليمة يتناول الكل على السواء. وقال الجوهري وغيره: الوليمة طعام العرس، وفيه تجوز لما سبق، ويقال طعام الوليمة. وفسره بعضهم بإصلاح الطعام واستدعاء الناس إليه. وهو بعيد. وفي الشرع، الاجتماع على طعام مدعو إليه، لحادث سرور، بشروط معتبرة، على وجه مخصوص. انتهى كلام البلقيني. وهي كما في النظم أثنتا عشرة: الأولى:
وليمة العرس
وهو الدخول وهي سُنة لثبوتها عن النبي ﷺ قولًا وفعلًا؛ ففي السنن الأربع، عن أنس أن النبي ﷺ أولم على صفية بسويق وتمر، وفي الصحيحين عنه، أنه ﵊ جعل وليمتها التمر والسمن والأقط. وفي قول عند الشافعية: هي واجبة. حكاه الماوردي، وصححه الجرجاني في الشافي. وقال الشيخ أبو إسحاق إنه المنصوص لظاهر الأمر في قوله ﷺ لعبد الرحمن بن عوف وقد تزوج: " أَوْلِمْ ولوْ بشَاةٍ " متفق عليه. ولأنه ﵇ ما تركها سفرًا ولا حضرًا لكن الأظهر عندهم الأول ويصرف ذلك عن الوجوب، قوله ﷺ لمن قال: هل على غيرها يعني أركان الإسلام الخمسة؟ قال: " لا، إلاّ أن تطوع ". متفق عليه. وأما قوله ﷺ: " ليس في المال حق سوى الزكاة " رواه أبن الحل قال النووي: ضعيف جدًا، لا يعرف. انتهى. ولأنها طعام لا يختص بالمحتاجين فأشبهت الأضحية عند من قال بسنيتها وهو الشافعي ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل وأبو يوسف. ولأنها طعام لحادث سرور، فلا تجب كسائر الولائم، ولأنه أمره بالشاه، ولو كان الأمر للوجوب لوجبت الشاة، وقد أجمعوا على عدم وجوبها، لأنه ﵊ أولم على صفية بنت حُيَي سيدة قريظة والنضير مع جمالها ونسبها، إلى ما روي بحيس وهو تمر وأقط وسمن، وفي رواية بحيس من تمر وسويق، وأولم على بعض نسائه بُمدَّيْن من شعير، رواه البخاري. ومواظبته ﵊ على فعلها سفرًا وحضرًا محمول على تأكد السُّنية، ولأجل ذلك أئمتنا الحنفية: وينبغي للرجل أن يجيب في وليمة العرس، وإن لم يفعل أثم، إن لم يكن عليها لهو. وقيل: وليمة العرس فرض كفاية، إذا أظهرها الواحد في عشيرته ظهورًا منتشرًا سقط فرضها عمن سواه، وإلا جرحوا بتركها أجمعين.
1 / 1