عن ذَلِكَ، وكراهتُه، وأنَّه لا يُسْتَحَبُّ قصدُ بُقْعَةٍ لِلعِبادةِ، إلا أن يكونَ قَصْدُها لِلعبادةِ مِمَّا جاءَ به الشَّرعُ، مِثْلُ أنْ يكونَ النَّبِيُّ ﷺ قصَدَها لِلعبادةِ كَما قَصدَ الصَّلاةَ في مَقامِ إبراهيمَ، وكما كان يَتَحَرَّى الصلاةَ عند الاسطُوانةِ، وكما تُقْصدُ المساجِدُ لِلصَّلاةِ، ويُقْصَدُ الصَّفُّ الأوَّل، وَنَحْوِ ذَلِكَ. القول الثَّاني: أنه لا بأسَ باليَسير مِن ذَلِكَ، كَما نُقِلَ عن ابنِ عُمَرَ أنه كان يَتَحَرَّى قَصْدَ المواضِعِ التي سَلَكَها النَّبِيُّ ﷺ، وأن النَّبِي ﷺ سلكها اتِّفاقًا لا قَصدًا (١) . وَسُئِلَ الإِمامُ أحمدُ عن الرَّجُلِ يأتي هذه المَشاهِدَ، وَيَذْهَبُ إليها، تَرى ذَلِكَ؟ قَالَ: أمَّا على حَديثِ ابنِ أمِّ مَكْتوم أنه سَألَ النَّبِيَّ ﷺ أنْ يُصَلِّيَ في بيتِه حتى يَتَّخِذَ ذَلِكَ مُصَلَّى، وعلى ما كان يَفعَلُه ابنُ عُمَرَ، يتتبعُ مواضعَ النَّبِيِّ ﷺ وأثَرَه، فَلَيْس بِذَلِكَ بأسٌ أنْ يأتيَ الرَّجُلُ المَشاهِدَ، إلا أنَّ النَّاسَ قَدْ أفْرَطوا في هذا جِدًّا، وأكْثروا فيه (٢) . وَكَذلِكَ نَقَلَ عنه أحمدُ بنُ القاسمِ أنَّه سُئِلَ عن الرَّجُلِ يأتي هذه المَشاهِدَ التي بالمدينةِ وغيرِها يذهبُ إليها؟ فقالَ: أمَّا عَلى حديثِ ابنِ أمِّ مَكْتومٍ أنه سألَ النَّبِيَّ ﷺ أنْ يأتيَه، فيصليَ في بيتِه، حَتَّى يَتَّخِذَه مَسجدا، وَعَلى ما كان يَفَعَلُ ابنُ عُمَرَ، كان يَتتبَّعُ مواضعَ سَيْرِ النبي ﷺ، حَتَّى أنه رُئيَ يَصُبُّ في موضِعٍ ماءً، فَسُئِلَ عن ذَلِكَ، فَقَالَ: «رأيتُ النَّبِيَّ ﷺ يَصُبُّ ههنا ماءً»، قال: أمَّا على هذا فلا بأسَ به. قال: وَرَخصَ فيه، ثُمَّ قال وَلَكِنْ قد أفْرطَ النَّاسُ جدًّا، وَأكْثروا في هذا المعنى. فَذَكَرَ قَبرَ الحُسينِ وما يَفعلُ النَّاسُ عندَه. رواهما الخَلاَّلُ في كتابِ الأدَبِ. فَقَدْ فَصَّلَ أبو عبدِ اللهِ في المَشاهِدِ وهي الأمكنةُ التي فيها آثارُ الأنبياءِ والصَّالحينَ من غيرِ أنْ تكونَ مساجدَ لهم كمواضعَ بالمدينة بَيْنَ القليلِ الذي لا يَتَّخِذونَه عيدا، أو الكثيرِ الذي يَتَّخذونَه عيدًا كما تَقَدَّمَ. وهذا التَّفصيلُ جَمَعَ فيه بَيْنَ الآثارِ وأقوالِ الصحابة: فإنِّه قد رَوَى البُخاريُّ في صحيحه عن موسى بنِ عقبةَ قَالَ: "رأيت سالمَ بنَ عبدِ اللهِ يَتَحَرَّى أماكِنَ مِن الطَّريقِ، وَيُصلِّي فيها، وَيُحَدِّثُ
_________
(١) وكان أبوه عمر على عكس ذلك كما سيأتي، وانظر ص ١٠٥ من (التوسل والوسيلة) طبع السلفية.
(٢) فما بالك بما وصل إليه الأمر بعد زمن الإمام أحمد! .
2 / 284