صَدَرَ منهم من فُنونِ الظلمِ والمعاصي، وَبِما سَيَكونُ مِنهم، فيجازيهم على ذَلِكَ. ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ [الجمعة: ٨] وَلا تَجْسُرونَ عَلى أنْ تَمَنَّوْهُ مَخافَةَ أن تُؤخَذوا بِوَبال أفْعالِكُمْ. ﴿فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨] ألْبتةَ، مِن غيرِ صارِفٍ يَلويهِ، وَلا عاطِفٍ يَثْنيهِ. ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الجمعة: ٨] الذي لا تَخْفى عَلَيْهِ خافيةٌ. ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجمعة: ٨] مِنَ الكُفْرِ وَالمعاصي بِأنْ يُجازِيكم بِها. وهذا دَيْدَنُ الزَّائغينَ، وشَأْنُ الملحِدينَ، كما قَالَ تَعالى عَن اليَهود: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ [المائدة: ١٨] وَقَدْ وَرِثَ هَذِهِ الخصلةَ كَثيرٌ مِمَّن يَنْتَمي إلى المِلَّةِ الإِسلاميَّةِ، بَلْ كُلّ مِنَ الفرَقِ يقول: نحنُ أَوْلِياءُ الله، مَعَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ في حديثِ الفِرَقِ في بيانِ الفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ: «وهُمْ ما أنا عليه وأصْحابي» .
[دعوى محبة الله مع ترك شرعه]
دعوى محبة الله، مع ترك شرعه (الثالثة والسبعون): دَعْواهم مَحَبَّةَ اللهِ مَعَ تركِ شَرعِهِ. فَطالَبَهُم سُبحانَه بقولهِ في سورة [آل عمران: ٣١]: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١] قال الحسن وابنُ جُرَيْجٍ: "زَعَمَ أقوام عَلى عَهدِ رسولِ الله ﷺ أنَّهم يحِبُّونَ الله، فقالوا: يا مُحَمَّدُ إِنَّا نُحِبُّ ربَّنا، فَأنْزَلَ الله تَعالى هذه الآية". وَرَوى الضَّحاكُ عنِ ابنِ عبَّاس قال: «وَقَفَ النَّبِيُّ ﷺ على قريشٍ في المسجد الحرامِ، وقد نَصَبوا أصنامَهم، وَعَلَّقوا عَلَيها بَيْضَ النَّعامِ، وَجَعَلوا في آذانِها الشُّنوف (١) وَهُم يَسجدونَ لها، فقالَ: "يا معشرَ قريشٍ، لقد خالَفْتُم مِلَّةَ أبيكم إبراهيمَ وإسْماعيلَ، وَلَقَدْ كانا على الإِسلام "، فَقَالَتْ قُرَيش: يا محمَّدُ، إنَّما نَعبدُ هذه حُبًّا لِلَّهِ؛ لِتقرِّبَنا إلى الله زُلْفى، فأنْزَلَ الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ [آل عمران: ٣١] إلخ» . وفي رواية أبي صالحٍ أنَّ اليهودَ لَمَّا قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه أنزلَ الله هذه الآية، فَلَمَّا نَزَلَت عَرَضها رسولُ الله ﷺ على اليهودِ،
_________
(١) الشنف: القرط الأعلى، أو معلاق في قوف الأذن، أو ما علق في أعلاها، جمعه شنوف، وما علق في أسفل الأذن قرط.
2 / 280