﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٤٦] والكلامُ عَلَى هَذه الآية- أيضا- مستوفى في التفسيرِ.
[تلقيب أهل الهدى بألقاب غريبة]
تلقيب أهل الهدى بألقاب غريبة (الخامسة والخمسون): تَلْقيبُ أهلِ الهدى بالصَّابئةِ والحَشويَّةِ. فَقَدْ كانَ أهلُ الجاهلية يُلَقِّبونَ مَن خَرَجَ عن دينهِم بالصَّابىء، كما كانوا يُسَمُّون رَسُولَ الله ﷺ بِذَلِكَ، كما وَرَدَ فِي عِدَّةِ أحاديثَ مِن صحيح البخاري ومسلم وغيرهما تنفيرا للناسِ عنِ اتِّباعِ غيرِ سبيلِهِم وهَكذا تَجِدُ كَثيرا مِن هذِهِ الأمَّةِ يُطْلِقونَ على مَن خالَفَهُمْ فِي بِدَعِهِم وَأهْوائِهِم أسْماءً مكروهةً للناسِ. والصابئةُ أمة قديمةٌ على مذاهِبَ مختلفَةٍ، قَدْ تكَلَّمَ عَلَيْهَا أهلُ المَقالاتِ بِما لا مَزيدَ عَلَيْهِ. وَأمَّا الحَشويَّةُ، فَهُمْ قَومٌ كانوا يَقولونَ بِجَوازِ وُرودِ ما لا مَعْنى لَهُ فِي الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ كالحُروفِ فِي أوائِلِ السُّوَرِ، وَكذا قَالَ بَعْضُهُمْ، وهُمُ الذينَ قالَ فيهمُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ لَمَّا وَجَدَ قَوْلَهُمْ ساقِطا، وَكانوا يَجْلِسونَ في حَلْقَتِهِ أمامَهُ: "رُدُّوا هَؤلاءِ إلى حَشا الحَلْقَةِ"، أيْ: جانِبَها. وخُصومُ السَلَفيِّينَ يَرْمونَهُمْ بِهَذَا الاسْمِ؛ تنفيرا للنَّاس عَن اتِّباعِهِمْ والأخْذِ بِأقوالِهمْ، حَيْثُ يَقولونَ في المُتَشابِهِ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧] وَقَدْ أخْطَأت أسْتُهُمُ الحُفْرَةَ، فَالسَّلَفُ لا يَقولونَ بِوُرودِ ما لا مَعْنى لَهُ لا في الكِتابِ ولا في السُّنَّةِ، بَلْ يَقولونَ في الاسْتِواءِ مَثَلا: "الاسْتِواءُ غَيْرُ مَجْهولٍ، والكَيْفُ غَيْرُ مَعْقولٍ، والإِقْرارُ بِهِ إيْمانٌ، والجُحودُ بِهِ كُفْرٌ. وَقَدْ أطالَ الكَلامَ في هذه المَسْألَة شَيْخُ الإِسلامِ ابنُ تَيْميَّةَ فِي كَثيرٍ مِنْ كُتُبهِ، وَلَخَّصَ ذَلِكَ فِي كِتابِهِ (جَوابُ أهْلِ الإِيمانِ) في التفاضُلِ بَيْنَ آياتِ القُرْآنِ (١) .
_________
(١) وقد أعاد طبعه ناشر هذا الكتاب في المطبعة السلفية بعناية وتدقيق.
1 / 267