التَّوْحيدَ عِندَهُم لا يَتِمُّ إلا بهِ، كما لا يتِمُّ إلا بإنكارِ اسْتِوائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وعُلُوِّهِ فَوْقَ سَماواتِه، وتكَلُّمِهِ وتكليمِهِ، وصِفاتِ كمالِه فلا يَتِمُّ التَّوحيدُ عند هذهِ الطَّائِفةِ إلا بِهَذَا النَّفْيِ وذَلِكَ الإِثْباتِ، واللهُ وليُّ التَّوفيقِ. انتهى المقصودُ من نَقْلِهِ، وتَمامُ الكلامِ في هذا البابِ من ذَلِكَ الكِتابِ (١) وإليه سُبحانَه المآبُ.
[الكفر بالملائكة والرسل، والتفريق بينهم]
الكفر بالملائكة والرسل، والتفريق بينهم (الحادية والأربعون): الكفر بِالملائِكَةِ والرُّسلِ والتَّفْريق بَيْنَهُم. قال تَعالى [البقرة: ٨٧- ٩٩] ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ - وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ - وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ - بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ - وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٨٧ - ٩١] إلى أن قال: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ - مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ - وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة: ٩٧ - ٩٩] فَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ هذهِ الآيات أنَّ بَعْضَ الكِتابِيِّينَ كانُوا يَكفُرونَ بِالمَلائِكَةِ والرُّسُلِ، يُفَرِّقونَ بَيْنَهُمْ، أيْ يؤمِنونَ بِبَعْضٍ ويَكفُرونَ بِبَعضٍ، وهم طائفةٌ مِن جاهِلِيَّةِ اليَهودِ. وَلِهَذَا أمَرَنا الله تَعالى بالإِيمانِ بهم وَعَدَمِ
_________
(١) وهو "شفاء العليل" لابن القيم ﵀.
1 / 252