﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى - وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى - أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى - تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى - إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [النجم: ١٩ - ٢٣] إلى قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى﴾ [النجم: ٢٧]
وقالَ تَعالى [الزخرف: ١٥] ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف: ١٥] قال بعضُ المفسِّرينَ: (جُزءًا)، أيْ: نَصيبًا وبعضًا. وقال بعضُهم: جعلوا لِلَّهِ نصيبًا من الولدِ. وعن قَتادةَ ومقاتل: عدلا. وكلا القولين صحيح، فإنَّهم يَجْعَلون له وَلَدًا، والولَدُ يُشْبِهُ أباهُ.
ولهذا قال [الزخرف: ١٧] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ [الزخرف: ١٧] وَهُوَ كَظِيمٌ أيْ البَنات، كما قالَ في الآيَة الأخرى [النحل: ٥٨] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] فَقَد جَعَلوها لِلرَّحْمنِ مَثَلا، وَجَعَلوا لَهُ مِن عِبادِه جُزْءًا، فَإِنَّ الولدَ جُزء مِنَ الوالِدِ، قالَ ﷺ: «إِنَّما فاطِمَةُ بضعَةٌ مِنّيَ» .
وقولُهُ [الأنعام: ١٠٠]: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قالَ الكَلْبِيُّ: "نَزَلَتْ في الزَّنادِقَة، قالوا: إِنَّ الله وإبليسَ شَريكانِ، فاللهُ خالقُ النُّورِ والنَّاسِ والدَّوابِّ والأنعامِ، وإبليسُ خالقُ الظلْمَةِ والسِّباعِ والحَيَّاتِ والعَقارِبِ. وَأمَّا قولُه: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصافات: ١٥٨] فَقيلَ: هو قولُهُم: الملائكةُ بناتُ الله، وسمى الملائكة جِنًّا؛ لاختِفائِهم عَن الأبصارِ، وهو قولُ مُجاهِدٍ وقتادة.
وقيل: قالوا لِحَيٍّ مِن الملائكةِ يُقالُ لهم: الجِنُّ، ومنهم إبليسُ: هم بناتُ الله. وَقَالَ الكَلْبِيُّ: قالوا لَعَنَهمُ الله: بَلْ بُذور يَخْرُجُ مِنها الملائكةُ. وقولهُ: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٠٠] قالَ بعضُ المفسِّرينَ: هُم كُفَّارُ العَرَبِ، قالوا: الملائكةُ والأصنامُ بَناتُ الله، واليَهودُ قالوا: عُزير ابنُ الله، والذين كانوا يَقولونَ مِن العَرَبِ: إِنَّ الملائكةَ بناتُ الله، وَمَا نُقِلَ عَنهم مِن أنَّه صاهَرَ الجِنَّ، فوَلَدَتْ له الملائكةَ، فَقَد نَفاه عنه بامْتِناعِ الصَّاحِبَةِ، وبامتناعِ أنْ يكونَ منه جُزْءٌ، فإنِّه صَمَدٌ. وقولُه: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾ [الأنعام: ١٠١] وَهذَا لأنَّ الولادةَ لا تكونُ إلا مِن
1 / 237