للمخاطبين عَلَيه ﵇ وإغراء لهم على معاداتِه، والتَّفَضلُ: طَلَبُ الفَضلِ، وهو كِنايَةٌ عنِ السِّيادَةِ، كأنَّه قِيلَ يُريدُ أنْ يَسودَكمْ ويتقَدَّمَكُمْ بادِّعاءَ الرِّسالة، معَ كَوْنهِ مِثْلَكمْ، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾ [المؤمنون: ٢٤] بيانٌ لِعَدَمِ رِسالةِ البَشَرِ عَلى الإِطلاقِ على زَعْمهم الفاسدِ، بَعْدَ تَحْقيقِ بَشَرِيَّتِهِ ﵇. أي وَلَو شَاءَ الله تعَالى إرسالَ الرُّسلِ، لأرْسَلَ رُسُلا مِنَ المَلائكةِ، وإنَّما قيلَ "لأنْزَلَ" لأنَّ إِرْسَالَ المَلائِكَةِ لا يكونُ إلا بطريقِ الإِنزال، ﴿مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٢٤] هَذَا إشارة إلى الكلامِ المُتَضمِّنِ الأمرَ بعبادةِ الله ﷿، خاصَّةً والكَلامُ على تقديرِ مُضافٍ أيْ ما سَمعنا بمثل هذا الكلامِ في آبائِنا الماضينَ قَبْلَ بعثتِه ﵇. وقُدِّرَ المضافُ لأنَّ عدمَ السَّماعِ لكلامِ نوحٍ المذكورِ لا يصلُحُ لِلرَّدِّ فإِنَّ السَّماعَ بِمِثْلِهِ كان في القَبولِ ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [المؤمنون: ٢٥] أيْ ما هو إلاَ رَجُلٌ به جُنُونٌ أو جِنٌّ يخْبُلونَهُ ولِذلِكَ يَقولُ ما يَقولُ، ﴿فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ﴾ [المؤمنون: ٢٥] فاحْتَمِلوهُ واصْبِروا عليه وانْتَظِروا لَعَلَّهُ يَفيقُ مِمَّا هو فِيه مَحْمول على مَرامي أحْوالِهمْ في المُكابَرَةِ والعِنادِ، وإضرابُهُم عَمَّا وَصَفوه ﵇ بِهِ مِنَ البَشَرِيَّة، وإرادَةِ التَّفَضُّلِ، إلى وصفِهِ بِما تَرَى، وهُم يَعْرِفونَ أنَّه ﵇ أرجَحُ النَّاسِ عَقْلا، وأرْزَنُهُم قَولا، وهو مَحْمولٌ على تَناقُضِ مَقالاتِهم الفاسِدَةِ، قاتَلَهم الله تَعالى أنَّى يؤفَكونَ والقياسُ الفاسدُ والصَّحيحُ، والجامعُ والفارِقُ، مُفَصَّلا في كتبِ الأصول (١) فَبَيْنَ الرُّسلُ ﵈ وسائرِ النَّاسِ مُشابَهَة مِن جهةِ البشريَّةِ ولوازِمِها الضروريَّةِ، فيَصِحُّ حينئذٍ قياسُ الرُّسُلِ على غيرِهِم فيها، وعليه قولُه تَعالى [الكهف: ١١٠، فصلت: ٦]: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [فصلت: ٦] وبَيْنَ الرُّسُلِ والأنبياءِ ﵈ وغيرِهِم مِن البَشَرِ فُروق كثيرة منها أنَّ الله تعالى اصْطفاهم على النَّاسِ بِرسالاتِه وبكلامِهِ ووحْيِهِ وخصهم بذلك، فَلا يُقاسُ أحَدٌ مِن النَّاسِ بِهِم حِينئذٍ مِن هذِهِ الجِهَةِ، كَما لاَ يَصِحُّ قياسُ غيرِهِم بِهم في سائر
_________
(١) وأجود ما كتب في الاستدلال بالقياس، وتمييز صحيحه من سقيمه، كتاب (القياس في الشرع الإسلامي) لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، وقد طبعته المطبعة السلفية مرتين.
1 / 223