فصل في تاريخ الثورة العرابية
فصل في تاريخ الثورة العرابية
اصناف
ولم يقف التدخل الأجنبي عند هذا الحد، فقد قبل الخديو على رغمه تأليف لجنة من الأجانب سميت «لجنة التحقيق العامة» ومنحت سلطة واسعة، ولكنها ما كادت تعمل حتى اصطدمت برجل من أحرار المصريين هو شريف باشا وزير الحقانية، فقد استدعت اللجنة شريفا لتستفهمه فأبى أن يمثل أمام لجنة من الأجانب، وأبت اللجنة أن تأخذ برأي الخديو وهو أن تكتفي باستفهام الوزير كتابة، وأصر شريف على رفضه ثم أعقب هذا الرفض بالاستقالة من الوزارة. وهزت البلاد استقالته بما تنطوي عليه يومئذ من المعاني، فهذا مصري يغضب لكرامته وكرامة قومه أمام لجنة من الأجانب، تريد أن تظهر بمظهر السيادة وتحرص أشد الحرص على هذا المظهر.
ولندع لجنة التحقيق في عملها لنرى ما كان من أثر هذه المفاسد في نفوس المصريين.
حركة وطنية تنشأ في مصر
كانت تولد بالبلاد يومئذ حركة وطنية قوية، كان الباعث عليها هذا البلاء الذي كانت تعانيه مصر من الحكم المطلق والضائقة المالية، وتدخل الأجانب في شؤونها.
وكان لهذه الحركة الوليدة مكان يجتمع فيه زعماؤها هو بيت السيد البكري نقيب الأشراف، حيث كان يلتقي الأحرار من العظماء والنواب والأعيان وضباط الجيش الناقمين.
وكان قد هبط مصر منذ سنة 1871 السيد جمال الدين الأفغاني، وأخذ يبث فيها مبادئه ويبذر بذلك بذور الثورة على الطغيان، وكان يرى جمال الدين أن علة العلل في هذا الشرق أن شعوبه مسلوبة الإرادة تحكم على رغمها وتسخر لحساب الحاكمين، ولا مخرج لها إلا أن تعيش حرة، ولن يكون هذا إلا أن تقوم الشورى مكان الاستبداد وأن يمحو نور العلم ما تراكم في الشرق من ظلمات بعضها فوق بعض.
وكانت التربة كما رأينا صالحة لنمو بذوره هذه، فما أسرع أن ظهرت في البلاد حركة حرة كأعظم ما تكون الحركات الحرة. يقول في ذلك الشيخ محمد عبده أنبغ تلاميذ جمال الدين وأحبهم إليه: «وكان طلبة العلم، وطلبة جمال الدين ينتقلون بما يكتبونه من تلك المعارف إلى بلادهم أيام البطالة، والزائرون يذهبون بما ينالونه إلى أحيائهم، فاستيقظت مشاعر وانتبهت عقول، وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد وبخاصة في القاهرة».
ولقد كانت تعاليم جمال الدين من حيث تأثيرها في النفوس أشبه شيء بتعاليم ڨلتير وروسو، ممن مهدوا في فرنسا للثورة الفرنسية الكبرى.
الشيخ محمد عبده أيام الثورة.
وظهرت في تلك الأيام الصحافة، وراح الناس يقرأون في المجلات والصحف أحاديث الوطنية والحرية وأنباء الحرب الروسية، التي نشبت عام 1871 بين روسيا وتركيا، وبخاصة موقف إنجلترة من دولة الخلافة الإسلامية.
نامعلوم صفحہ