يوما بجلق في الزمان الأول
أولاد جفنة حول قبر أبيهم
قبر ابن مارية الجواد المفضل
يغشون حتى ما تهر كلابهم
لا يسألون عن السواد المقبل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
شم الأنوف من الطراز الأول
فلما سمع جبلة ذلك منه أجازه وذكر له أن الملك بعثه مددا لقنسرين، وطلب إليه أن يحذر خالدا بأس جنوده ومضاء أسيافهم ، وتابع جبلة وجيشه السير مع الروم ولقي خالدا وكاد ينتصر عليه لولا أن جاء المسلمين مدد رجح كفتهم، فهزموا جبلة واستولوا على المدينة المحصورة، ففر من أهلها إلى أنطاكية من فر، وقدم أبو عبيدة في جنده فألفى خالدا تم له النصر، فصالح أهل قنسرين على الأمان والجزية، وأن تهدم حصونهم وأسوارهم، ورأى العرب من أهل الحاضر ما كان من ذلك، فأقبلوا يعلنون الطاعة وأسلم منهم كثيرون، أما من بقي على نصرانيته فضربت عليه الجزية.
وهذه الرواية عن جبلة وسيره للدفاع عن قنسرين مرجوحة في رأيي؛ ولذلك لم يذكرها الطبري وابن خلدون وابن الأثير وابن كثير ومن إليهم، وإن ذكرت في فتوح الشام المنسوب للواقدي، أما الرواية المشهورة التي ذكرها المؤرخون الثقات فهي الراجحة، وقد كتب أبو عبيدة إلى عمر بفعال خالد بن الوليد وقضائه على ميناس وجيشه واقتحامه قنسرين على منعتها، وقوله لأهلها: «لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا.» فأخذ عمر الإعجاب بعبقرية خالد بارزة في هذه الأعمال أيما بروز، وقال: «أمر خالد نفسه! يرحم الله أبا بكر! هو كان أعلم بالرجال مني!»
هذه الكلمات التي قالها عمر تدلنا على أن خالدا أتى في قنسرين بمعجزات فاقت مواقفه بدمشق وحمص وما سواهما من البلاد التي فتحها المسلمون منذ تولى عمر الخلافة إلى يوم تنفست عنها شفتاه، ودلالتها على ذلك أشد وأقوى لما نعرفه عن عمر وسوء رأيه في خالد، حتى لقد عزله عن إمارة الجيش أول ما آلت إليه إمارة المؤمنين، وقد بلغ من عمق الأثر الذي تركته هذه الفعال في نفس عمر أن أسند إلى خالد إمارة قنسرين حين لقيه ببيت المقدس بعد أشهر من ذلك اليوم.
نامعلوم صفحہ