وتدخر الأموال وهي غنائمه
ويستكبرون الدهر والدهر دونه
ويستعظمون الموت والموت خادمه
وكان سيف الدولة يتمايل من الطرب، وأعجب بعض الشعر أبا فراس، ورأى فيه تجديدا، ولكنه لم يكن يحب من الشاعر ذلك الزهو الذي لا يطاق وبخاصة حينما قال:
عجبت له لما رأيت صفاته
بلا واصف، والشعر تهذي طماطمه
9
عند ذلك علم أبو فراس أن حربا أدبية بجانب حرب الروم ستنشب نيرانها بحلب، وأن شعراء الشام وهم خير شعراء العرب لن يلقوا أقلامهم أمام هذا الشاعر المتحدي، وأنه وقد أعده الله ليثل عرش الروم بسيفه لن يصعب عليه أن ينزل هذا المغرور إلى حيث يجب أن يكون. ثم سار أبو العشائر بالمتنبي حتى بلغ أبا فراس وقال: هذا ابن عمي أبو فراس فارس بني حمدان وشاعرهم. - سمعت يا سيدي شعره من قبل فأكبرت فنه وأدبه، ما أحسن الملك والأدب يجتمعان! وددت لو بعت نصف شعري بولاية في أقصى الأرض.
فقال أبو فراس: الشاعر له في دنيا شعره ما هو خير من الولايات والمناصب لو استطاع أن يرفع شعره عن شهوات النفوس. لقد أحسنت أبا الطيب في قصيدتك بعض الإحسان لولا أنك أثرت عليك حفيظة الشعراء. ما لك ولهم يا صاحبي؟ إن نوال ابن عمي بحر فياض لا ينقص منه تزاحم الواردين. - إنها الصنعة يا سيدي، وإن للمدح أساليب هذا أحدها، وأنتم لمكانتكم من الملك لا تحاولون هذه المذاهب. - صدقت. وشعراؤنا - وليس لهم ظل من ملك - لا يحاولونها أيضا. انظر، إن ابن عمي يدعوك لتذهب إليه.
وأقام سيف الدولة بأنطاكيا أياما، ثم ارتحل إلى حلب، وكان أبو فراس يظن أن الحرب وأهوالها تنسيه حبه لنجلاء، فإذا خيالها يعرض له في كل معترك، وإذا صورتها تبرز له حزينة باكية بين مشتجر الرماح، جرب السلو بالوحدة فزادت في أشجانه وبالامتزاج بالناس فكانت كل كلمة منهم تذكره بها، وتشعل فؤاده شوقا إليها، وجربه بالراح فطفا وجهه الفاتن فوق كل كأس؛ وظهر لؤلؤ ثغرها في كل حبب،
نامعلوم صفحہ