وغافلنا الخوري بعدما وضعناه في عب غرسة البندورة، وصحنا به: وهذي عجيبة يا خوري يوسف، تعال تفرج.
وهرع الخوري وهو يصفق بيديه على ركبتيه، ويقول: من لا يؤمن بعد اليوم بقدرة سيدتي!
ومن أضاحيكه التي لا يسعها مجلد ضخم أنه كان يقدس يوما ... وقطعت فرسه رسنها، وخاف أن ترعى الخضار الذي حول الحارة، فخرج من الكابلا تاركا الكأس والقربان على المذبح، وشرع يركض خلف الحمرا وعليه ثياب التقديس ...
تصور كاهنا عليه حلة القداس وهو يركض خلف بهيمة، ولا يتذكر أنه ترك الذبيحة الإلهية؛ ليخلص عشبة من فم فرسه، وما حسب أن الهر قد يدخل ويأكل جسد الرب ...
فالخوري يوسف على ما فيه من هنات غير هينات، كان يظن نفسه نابغة عصره لا يعجبه أحد، ولا شك أن القارئ يتوق إلى صورة له كاملة، تامة الخطوط والألوان، وها نحن نرسم له بعض نواح من تلك الصورة، كما كنا نراه في مباذله. •••
الخوري طويل طويل، مديد القامة، منتصبها كعمود التلغراف. إذا وقف أمام بيته في عين كفاع خلته جذع سروة حد مقبرة. أبيض الوجه، قصير اللحية، عيناه مستديرتان كأنهما ثقبتا بالخربر، ابتسامته فيها حلاوة البلاهة. يداه تتدليان كأنهما معلقتان، فإذا مشى تنوسان كالمراوح. قاووقه
17
طربوش مغربي، ملفوفة عليه شملة سوداء ذهب لونها من طول ما نصبت على ذلك الشراع. كانت تهتز الحارة إذا تثاءب ويسمع صوته في الوطا، وإذا سعل يملأ وجهك رشاشا، وإذا تمخط في منديله القذر فهناك سيمفونية عجيبة.
على غنبازه بقع متعددة الأشكال والألوان، وعلى صدره يتدلى بند حريري لمعته الأوساخ، يربط في آخر آخره ساعة ليبية يتدلى مفتاحها بخيط غليظ على زناره.
وذاك الغنباز الدهري غير مزرر، وهو ذو بردين
نامعلوم صفحہ