فرح انطون: حیاتہ – ادبہ – مقتطفات من آثارہ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
اصناف
وكان حنانيا يضحك في أثناء ذلك وهو ساكت.
ولما عاد الأصحاب الأربعة من الحرج، وجدوا خمسين قرويا جالسين حول أبي مرعب تحت بيته وهم يبحثون في طريقة يقنعون بها المستر كلدن أن يصنع «نهاره» في الحدث، وقد أخذوا منذ تلك الساعة يلاطفون رجال حاشيته ويكرمونهم أحسن إكرام. وما برحت المصالح تغير قلوب الناس في كل زمان ومكان. (7) لا تريد المرور على بيروت
وفي هذه الأثناء كان المستر كلدن وزوجته وابنتان لهما وحاشيتهما الكثيرة صاعدين عند دير حنطورة في الطريق الموصلة إلى عين السنديانة.
وكانت الابنتان في مقدمة الركب، وكل واحدة منهما على جواد، ووراءهما أمهما على جواد أيضا، يليها الأب على فرسه وبجانبه وكيل أشغاله، ووراءهم الحاشية والخيام والبغال تحمل الأثقال.
وكان المستر كلدن كهلا في الخمسين من العمر، وهو جميل الوجه، طويل القامة، أحمر اللون، أشقر الشعر، متقد العينين بالذكاء الأميركي المعروف، وفي كل حركة من حركاته وكل كلمة من كلماته شيء يدل على النشاط والحدة.
أما زوجته فقد كانت في نحو الثلاثين، وكانت بيضاء الوجه كالثلج المعمم قمم لبنان، سوداء الشعر والعينين، رشيقة القوام كغصن البان، خفيفة الحركة فوق جوادها الرشيق كأنها غزال على غزال.
فكان هذا الزوج وزوجته يمثلان ضربي الحسن في العالم: الحسن الأميركي الأشقر، والحسن الشرقي الجامع بين اللون الأبيض الناصع واللون الأسود الفاحم.
والغريب أن ابنتيهما جاءتا واحدة على شكل أمها، وواحدة على شكل أبيها، وكانت إحداهما في التاسعة من العمر، والأخرى في السابعة، وكانتا ثابتتين على ظهر جواديهما ثبات الفوارس. ولا عجب في ذلك؛ لأنهما ربيتا تربية أميركية.
ولما حاذى الركب دير حنطورة كان المستر كلدن في حديث مع امرأته وقد تنحى عنه وكيل أشغاله، وكان يقول لها: لماذا تكرهين بيروت يا إميليا إلى هذا الحد؟ حقا إنني صرت أخجل من قومي فيها لعدم استقبالنا إياهم، فأجابت زوجته والحزن باد في وجهها: حقا إنني ندمت يا جورج على سياحتنا هذه. فقهقه المستر كلدن وقال: كيف تندمين الآن بعد أن بكيت سنتين على هذه الزيارة، وفي كل يوم كنت تتنهدين وتقولين: هل أرى بلادي مرة قبل أن أموت؟ فقالت إميليا والدموع في عينيها: لا تمزح يا صديقي في مسألة كهذه المسألة، فإن قلبي في غاية الألم. نعم، كنت أشتاق في بلادنا إلى رؤية البلاد التي ربيت فيها، ولكني أول ما وصلت إليها تغير قلبي، فعلمت حينئذ أنه قد كتب لي التعاسة على هذه الأرض؛ فإنني إذا أقمت في بلادنا أميركا شعرت أنني غريبة فيها، وإذا جئت بلادي الأصلية شعرت أيضا أنني غريبة، فشأني شأن طائر نسفت الزوابع عشه، واستأصلت الشجرة التي كان يأوي إليها، فلم يبق له أمل بالراحة وإن وجد عشا أحسن من عشه الأول، وشجرة أفضل من شجرته الأولى. وليس معنى كلامي هذا أنني غير راضية بحالتي الحاضرة؛ فإنني من فضلك ونعمتك في ألف فضل وألف نعمة، ولكن ماضي شديد الضغط على نفسي.
وهنا انحدرت الدموع من عيني إميليا، فصاحت بها ابنتها الأولى: عدنا إلى البكاء يا ماما! إذا لم تسكتي فإنني أبكي أيضا، وقال لها زوجها: الحق أقول لك يا عزيزتي، إنني لا أعرف سببا لهذا الحزن واليأس، فإنك تعلمين أننا صنعنا كل ما في إمكاننا فلم نعثر على أثر لأبيك، وقد عرضت عليك ألف مرة أن ننتقم من أعدائه فكان جوابك: ما الفائدة من الانتقام؟
نامعلوم صفحہ