فرح انطون: حیاتہ – ادبہ – مقتطفات من آثارہ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
اصناف
غلام بين يديه، فيقول: جزاك الله عن الأمة خيرا أبا الحسن، فأنت الوصي وولي النبي، بسطت العدل، وزهدت في الدنيا، واعتزلت الفيء، فلم تخمش فيه بناب ولا ظفر، وأنت أبو الذرية المباركة، وزوج الزكية الطاهرة، اذهبوا به إلى أعلى عليين الفردوس. ثم يقول: هاتوا معاوية: فأجلس بين يديه صبي، فقال له: أنت القاتل عمار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذا الشهادتين، وحجر بن الأدبر الكندي، الذي أخلقت وجهه العبادة، وأنت الذي جعل الخلافة ملكا، واستأثر بالفيء، وحكم بالهوى، واستبطر بالنعمة، وأنت أول من غير سنة رسول الله ونقض أحكامه وقام بالبغي، اذهبوا به فأوقفوه مع الظلمة. ثم قال: هاتوا يزيد. فأجلس بين يديه غلام، فقال له: ... أنت الذي قتلت أهل الحرة، وأبحت المدينة ثلاثة أيام، وانتهكت حرم رسول الله، وآويت الملحدين، وبؤت باللعنة على لسان رسول الله، وتمثلت بشعر الجاهلية:
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
وقتلت حسينا، وحملت بنات رسول الله سبايا على حقائب الإبل، اذهبوا به إلى الدرك الأسفل من النار. ولا يزال يذكر واليا بعد وال حتى بلغ إلى عمر بن عبد العزيز، فقال: هاتوا عمر. فأتي بغلام فأجلس بين يديه، فقال: جزاك الله خيرا عن الإسلام، فقد أحييت العدل بعد موته، وألنت القلوب القاسية، وقام بك عمود الدين على ساق بعد شقاق ونفاق، اذهبوا به فألحقوه بالصديقين. ثم ذكر من كان بعده من الخلفاء إلى أن بلغ دولة بني العباس، فسكت، فقيل له: هذا أبو العباس أمير المؤمنين، قال: فبلغ أمرنا إلى بني هاشم، ارفعوا حساب هؤلاء جملة، واقذفوا بهم في النار جميعا.»
1
فقيل له: وبعد؟ فقال: أين أمويو الأندلس؟ فرفع إليه غلام، فقال له: إيه عبد الرحمن الداخل، ذهبت تخرق خرقا في الإسلام، وتنشئ خلافة جديدة وسلطنة كبيرة لم تحسن أنت وقومك الدفاع عنها، اذهبوا به إلى النار. ثم قال: أين الفاطميون؟ فرفع إليه غلام، فقال: لقد ألهتم أمراءكم وأضعفتم الإسلام بشقه شطرين، خذوهم. فقيل له: وبعد؟ فقال: بعد ماذا؟ فقيل: آل عثمان. فالتفت يمنة ويسرة وحك رأسه وهم بالكلام، فصاح به صائح: باب السجن مفتوح. فضحك المعتوه وقال: أما بنو عثمان، فإننا نؤجل الحكم عليهم، فضحك الجميع وانصرفوا.
فقال سليم: حقا إن أمر هذا الرجل غريب، فإنه مع جنونه يصف كل أمير الوصف الذي ينطبق عليه كأنه من أبصر الناس بالتاريخ. أما صاحبنا مخلوف فإنني أرى من القسوة أن نتركه في هذه الحالة؛ ولذلك عزمت على معالجته لعلي أرد عليه صوابه. (4) الحدث
وطوى الفارسان بالحديث المسافة بين عين السنديانة والحدث، ولما وصلا إلى هذه القرية دخلا إليها منقبضي الصدر؛ لأنهما كانا يعللان النفس بأن يشاهدا في أعالي الجبل مناظر أبهى وأجمل. وهذا شأن كل من يتصور شيئا جميلا قبل معرفته، فإنه قلما تكون صورته الحقيقية مساوية لصورته الخيالية، خصوصا إذا كان المتصور شديد الخيال. وأشد الناس خيالا، وأرقاهم تصورا، وأسلمهم ذوقا من لا يرى في صور الموجودات، مهما كانت عظيمة ونفيسة، صورة تفوق أو تساوي صورتها التي ارتسمت في خياله قبل أن يراها.
وفي الحقيقة إن جمال الحدث لا يظهر للداخل إليها لأول مرة، بل تجب الإقامة فيها يومين أو ثلاثة لإدراك محاسنها؛ فهي قرية صغيرة قائمة على قمة أكمة في جبة بشري، مطلقة للهواء والنور من جهاتها الأربع، فيظهر أن الذين بنوها لم يرهبوا الزوابع والرياح والثلوج في تلك الأعالي؛ ولذلك لم يخفوا قريتهم في ظل أكمة مرتفعة كقرية قنات القريبة منها إلى الجنوب الغربي، ولا بنوها في سفح جبل كأهدن التي تقابلها في الشمال، ولا في قلب واد كحصرون في الشرق، بل هم قصدوا بها - على ما يظهر - مصادمة تلك العناصر الطبيعية في تلك الأعالي التي يعممها الثلج ويغطيها الضباب نصف سنة تقريبا. وهذا ما جعل هواءها أجود الأهوية وأجفها، واجتذب إليها المرضى للاستشفاء، فصاروا يفضلونها على سواها.
ولما دخل سليم وكليم إلى القرية كان أهلها في هياج واضطراب، وبعضهم يتراكضون إلى منزل قائم فوق حرج صغير بجانب القرية إلى الجنوب الغربي، فقال كليم: يا جرجس، استخبر لنا الخبر. فسأل جرجس أحد الأهالي فأخبره أن بعض الأميركان يرومون استئجار بيت في القرية، ولكن في الأهالي فريقا لا يريد تأجيرهم؛ لأنهم بروتستنت يحثون الناس على ترك مذهبهم الماروني إلى المذهب البروتستنتي. فضحك سليم لما علم بسبب هذا الاضطراب وقال لرفيقه: إن هذه الخلافات في المذاهب والأديان تتبعنا إلى أقاصي البلدان، ثم سأل سليم جرجس: ما رأيك يا جرجس في هذا؟ هل يجوز لهم ذلك أم لا يجوز ؟
نامعلوم صفحہ