فرح انطون: حیاتہ – ادبہ – مقتطفات من آثارہ
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
اصناف
الاعتراض الأول:
أنها أمر كمالي بالنسبة إلينا، فإن التاريخ لا يخرج عن كونه عبارة عن ذكر أيام مضت وحوادث خلت، والأمم التي لم تتكون بعد أو التي تكونت وانحلت لا يفيدها تاريخها شيئا سوى تذكيرها بعظمة ساقطة ومجد ذاهب، وهي قبل كل شيء تحتاج إلى قوات تنهض بها، وتوجد الشخصيات الراقية التي أشرنا إليها أضعاف حاجتها إلى تاريخها. وإن علم التربية وعلم الاجتماع والنشاط والحماسة للعمل، ونصب أغراض شريفة أمامها، وحثها على السعي إليها، وجمع كلمتها عليها بتأليف رأي عام منها، كل هذه مقدمة على جميع علوم التاريخ البشرية والإلهية، بل إن أصغر مبادئ الزراعة الأولى وأحقر مبادئ الصناعة الأولى مفضلة فيها على جلال التاريخ وعظمته؛ فالذي يصرف فكرها إلى حوادث تاريخها الماضية بكتبه ورواياته قد يفيدها، ولكن فائدتها من ذلك لا تكاد تذكر؛ لأن مثلها حينئذ يكون مثل فقير ذي أطمار يعلق في ثوبه ساعة وسلسلة من نضار. قال برناردين دي سان بيير: أية حاجة بنا إلى التاريخ وكتبه؟ وأي تأثير للتاريخ في سعادتنا في الأرض؟ بل أية علاقة بين السعادة وذكر حوادث مضت وأيام خلت؟ إن تاريخ ما كان لهو تاريخ ما هو كائن وما سيكون. وقال الفيلسوف نيتشه في كتابه «ما وراء الخير والشر»: إن المؤرخين لكثرة تفكيرهم في الماضي وتنقيبهم فيه ينتهون إلى أن ينزلوا التاريخ منزلة كل شيء، فيصير مثلهم مثل السرطان الذي يمشي إلى وراء وهو يحسب أنه يمشي إلى أمام. يريد بذلك أنهم يتأخرون وهم يحسبون أنهم يتقدمون.
الاعتراض الثاني:
أن الروايات التاريخية هي سم للتاريخ قتال؛ وذلك لأنها تكون مزيجا من الحوادث المخترعة والحوادث التاريخية، وفي ذلك إفساد التاريخ بدل تحقيقه. ولا بأس من ورود التاريخ في الروايات، ولكن يجب أن يكون وروده عرضا. والعمدة تكون على ما في الرواية من الأفكار والمبادئ الاجتماعية التي هي غرض الرواية الحقيقي؛ لأن الروايات الخطيرة الهامة في هذا العصر إنما هي روايات اجتماعية.
الاعتراض الثالث:
أن كتب التاريخ تكتب للخواص، فالكاتب يجد في نفسه شيئا من الجرأة على الجهر بما يرى الجهر به حقا في التاريخ وإن ساء بعضهم؛ لأن في أفاضل الخواص من كل الأمم ميلا لمسامحة الكاتب ومعذرته إذا كانوا يعتقدون إخلاصه. أما روايات التاريخ فأكثر اعتمادها في رواجها على العوام والسذج، وهؤلاء لا يسامحون ولا يعذرون؛ ولذلك يضطر الكاتب إلى مجاراتهم ترويجا لبضاعته، فيشوه التاريخ في رواياته بكتمان ما كان الجهر به من أول شروط التاريخ، وبتحسين وتزيين أمور تزيد السذج تمسكا بأوهامهم وأغلاطهم، خصوصا إذا كان الكاتب من أمة والقراء من أمة، وعلى الأخص في بلاد الشرق. وبذلك يكون وجود تلك الروايات وعدمها سيين؛ إذ الفائدة الحقيقية في الروايات هي ما فيها من الجرأة والقوة الأدبية التي تحمل قرائها على ترك ضعفهم وأوهامهم لا زيادة تمسكهم بها.
الاعتراض الرابع:
قال المسيو إدوار رود منذ سنتين، في مقالة افتتاحية في جريدة ألفيغارو، في أثناء كلامه عن التاريخ وكبار المؤرخين الفرنسويين كتييرس وتان ورينان وميشله وغيرهم، ما خلاصته: إنه يجب على الناس أن يعلموا أن كتب التاريخ التي يقرءونها باللغة الفرنسوية وغير الفرنسوية لا يركن إليها، مهما ادعى أصحابها التحقيق والتدقيق؛ وذلك لسببين؛ الأول: أنهم يتخذون فيها طرق الاستنتاج والقياس، وفي أكثر الأحيان يجيء استنتاجهم وقياسهم فاسدين؛ ولذلك ترى آراءهم في التاريخ متخالفة متباينة ينقض بعضها بعضا، وكل مؤرخ منهم يكتب التاريخ كما يتراءى له، والثاني: أن المصادر التي يعتمدون عليها ويستقون منها أكثرها خطأ؛ لأن رواتها أخطئوا في النقل والرواية.
وإنك لترى المؤرخين الذين عاشوا في الزمن الأخير إذا كتبوا تاريخه اختلفوا في رواية حوادثه وتفسيرها، فكيف بهم إذا راموا كتابة تاريخ زمن لم يشهدوه، ولا علموا شيئا عنه غير ما نقلته الكتب لهم؟ وليس في التاريخ شيء ثابت يمكن الوثوق بصحته غير الحوادث والأرقام والأوراق الرسمية التي وصلت إلينا من تلك الأزمنة البعيدة. قلنا: وكل من تصفح كتب المؤرخين العربية والإفرنجية، ورأى فيها تناقض الآراء والحوادث والأرقام لا يسعه إلا أن يسلم بصحة هذا القول الذي ساء مؤرخي أوروبا، ولكنه صحيح. وما التحقيق في التاريخ - خصوصا التاريخ القديم، وبالأخص الشرقي منه - إلا خرافة ودعوى لا يقوم عليها دليل.
وليس هنالك تاريخ، بل آراء مختلفة، وظيفة الباحث فيها الترجيح بينها لا تحقيقها، وإنزال تلك الآراء والحوادث منزلة رفيعة من الأهمية، وبذل الإنسان قوته ونشاطه وعلمه ووقته فيها، إنما هو من قبيل الاشتغال بشيء مشكوك به، وفائدته لا تعدل التعب فيه؛ ولذلك قال رينان قبل وفاته: إنني آسف لأنني صرفت عمري بكتابة تواريخ قل أن يتصفحها أحد بعدي. قال ذلك مع أنه إذا لم يكن في كتبه شيء غير جمال إنشائه في كتاباته، فإن هذا كاف - كما قال بعض كتاب الفرنسويين - لأن يبقى جميع ما كتبه خالدا بين أيدي الناس، ومقصدا لطلاب الجمال وحلاوة القلم.
نامعلوم صفحہ